استمرار الحرب وغياب المنظومة القانونية تسلب النساء حقوقهن

تواجه النساء في غزة مصير مجهول ومعاناة مضاعفة نتيجة غياب المنظومة القانونية بفعل الحرب المستمرة، مما يضع حقوقهن في مهب الريح وتزيد عليهن مشقة الحياة اليومية.

نغم كراجة

غزة ـ في ظل الأوضاع الراهنة التي يعيشها قطاع غزة، تعاني النساء من أوضاع شديدة القسوة، حيث يُضاف إلى جراحهن اليومية غياب المنظومة القانونية نتيجة الحرب المستمرة منذ قرابة عام، والتي لم تترك مجالاً لعمل المحاكم الشرعية والجهات الأمنية، وجعلت من نيل النساء لحقوقهن أمراً غاية في الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً.

تقول المحامية عليا نصار "منذ اندلاع الحرب، تدهور وضع النساء في غزة بوتيرة سريعة، حيث بتن تعشن في ظل فراغ قانوني يعرض حقوقهن للخطر، بعد أن كانت قبل الحرب مهضومة إلى حد كبير، ومع استمرار الحرب زادت الأمور تعقيداً "النساء هنا تتعرضن لانتهاكات متزايدة دون أن تجدن جهة توفر لهن الحماية أو ترد لهن حقوقهن".

وأكدت أن وضع النساء في قطاع غزة في ظل غياب المنظومة القانونية والعدالة مأساوي ومعقد للغاية حيث أن المرأة قبل الحرب كانت تستطيع تقديم شكوى للجهات الأمنية أو المراكز الحقوقية لتمثيلها في المحكمة لكن اليوم ومع دخول الحرب الشهر الحادي عشر أصبحت معظم المحاكم مدمرة وأرشيف القضايا تم حرقه وإتلافه.

وكانت أوضاع النساء في غزة قبل الحرب تشهد تحديات كبيرة، كالتمييز الاجتماعي والاقتصادي الذي كان حاضراً بقوة، ومع تصاعد العنف وانهيار البنية التحتية القانونية، أصبحن أكثر عرضة للعنف، الفقر، والتهميش "كانت هناك محاولات بطيئة لتغيير هذه الأوضاع قبل الحرب، إلا أن النزاع الجاري أدى إلى تراجع كبير في هذه الجهود، وفي ظل استمرار الحرب، تجد النساء أنفسهن بين مطرقة الفقر وسندان العنف المتزايد" وفق ما أوضحته.

ولفتت إلى أن غياب المحاكم الشرعية نتيجة الحرب لم يكن مجرد تعطيل للعدالة، بل كان تجريد للمرأة من أدواتها القانونية الأساسية "تعتمد النساء بشكل كبير على المحاكم الشرعية للحصول على حقوقهن المتعلقة بالنفقة، حضانة الأطفال، والميراث، ومع توقف هذه المحاكم، أصبحن عاجزات عن المطالبة بهذه الحقوق، مما أدى إلى تدهور أوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية".

ومع توقف المحاكم الشرعية، أصبحت قضايا حضانة الأطفال بمثابة سلاح يستخدم ضد الأمهات، الكثير من النساء لم يعد لديهن الحق في رؤية أطفالهن، أو حتى المطالبة بحقوقهن في الحضانة، وهو أمر يزيد من معاناتهن النفسية بشكل لا يوصف "الأطفال هم كل شيء بالنسبة للأمهات، وعندما يُحرمن من رؤيتهم، يحرمن من جزء كبير من حياتهن" بحسب ما أوضحته.

وقالت أن قضايا التحرش الجنسي والابتزاز والسرقة باتت من أكثر المشكلات المنتشرة في مراكز الإيواء ومخيمات اللجوء بسبب الاكتظاظ السكاني وانعدام الأمن والخصوصية "في حال تعرضت النساء لإحدى هذه المشاكل تقوم بتقديم شكوى للعناصر الأمنية المتواجدة في مقرات الإيواء أو يتم نقل القضية ومحاولة حلها بواسطة رجال الإصلاح، وفي أغلب الأحيان لا تنصف النساء أو تسترد حقوقهن في مثل هذه الحلول، كما أن بعض المشكلات لا تنقذ المرأة من قاع الخطر ودائرة العنف حيث أن العديد من المشاكل جرت في منطقة الشمال تم تناول حلها من قبل دوائر الصلح والعائلات في منطقة الجنوب، وهنا لا تستطيع المعنفة أن تشرح الحادثة بالتفصيل وعليها أن تنصت للحكم العشائري".

وبينت أن النساء أصبحن أقل قوة لمجابهة المجتمع بسبب غياب النظام القانوني والقضائي، نظراً لأنه في السابق كان هناك رادع وتستطيع المرأة التوجه المباشر لمراكز الأمن والمؤسسات الحقوقية والمطالبة بحقوقها؛ لتسترد حقوقها "غياب الدور القانوني الأن أدى إلى تدهور المجتمع وزيادة وتيرة الظلم والعنف بصورة أكبر".

ولفتت إلى تفاقم الأزمة المالية التي تواجه النساء حيث أن حقوقهن الاقتصادية سلبت منهن بسبب الحرب المستمرة "هنالك الكثير من القضايا كالميراث وحضانة الأطفال وغيرها، تحصل بها المرأة على حقها الشرعي قبل بدء الحرب، لكن الآن أصبح من المستحيل أن تطالب بها جراء تعطل المحاكم وتدميرها".

وحول أبرز المشاكل القانونية التي تواجهها النساء منذ بداية حرب السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أوضحت أن أكثر المشاكل التي تواجه المرأة هي عدم قدرتها على رفع أي قضية للمطالبة بحقوقها، وفي حال لجأت إلى أحد القضاة الذين يعملون بشكل جزئي واستثنائي بأمر من المجلس الأعلى للقضاء ضمن لجنة الطوارئ تحتاج معاملتها قرابة سبعة أيام لإتمام رفع شكوتها، إذا ما حدث قصف مفاجئ يقطع عملية النظر في بلاغها بخلاف ما قبل الحرب حيث كانت تستغرق يومين.

ونوهت إلى أن القضية الوحيدة التي يمكن التعامل معها من قبل القضاة هي حجة حصر الإرث لتتمكن النساء من تقديم كفالات لأبنائهن الأيتام خاصة أن هذه الحرب أخلفت ما يزيد عن ٢٠ ألف أرملة، مبينة أن أزمة غلاء المواصلات وصعوبة التنقل أدت إلى مضاعفة معاناة النساء عند متابعة الاجراءات اللازمة وإحضار الأوراق الثبوتية نظراً لأنها تضطر للذهاب في أماكن متعددة لإنجاز معاملتها، وهذه المشكلة تجعلها تقطع أميالاً طويلة على رجليها.

وترى عليا نصار أن غياب المنظومة القانونية ساهم بشكل كبير في ارتفاع معدلات العنف الأسري حيث أن النساء اللواتي رفعن قضايا التفريق قبل الحرب ولم تحصلن على حكم أصبحن تعشن تحت سقف مهين ومزري وتجبرن على الصمت خوفاً من ملاحقتهم بالأذى في ظل الفلتان الأمني "هذا الأمر برمته جعل النساء أمام واقع مرير ومصير مجهول، وفاقم من ضغوطاتهن النفسية وتشعرن أنهن محاصرات من كل أتجاه".

وأكدت على أن العنف الأسري في غزة، والذي كان موجوداً قبل الحرب، أصبح الآن أكثر تفشياً "النساء تواجهن العنف في أماكن نزوحهن دون أي حماية قانونية، وبعضهن تتعرضن للضرب والإيذاء بشكل مستمر، وفي ظل غياب القانون، لا تجدن ملاذاً آمناً يمكن التوجه إليه"، مضيفةً أن العنف ضد المرأة ليس مجرد مشكلة اجتماعية، بل هو أزمة تتفاقم في ظل غياب العدالة.

كما أوضحت أن قضية النفقة هي المشكلة الأدهى حيث أنه قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي كان الطاقم القانوني يحجز نفقة المرأة من راتب زوجها أو الحجز على أملاكه إن وجد "لا يمكن في الوقت الراهن النظر في قضايا النفقة كونها معقدة جداً بسبب تعطل المحاكم الشرعية بالكامل"، لافتةً إلى أن النفقة شريان الحياة للمرأة حيث أن الكثير من النساء تعيلن أسر بأكملها.

وفي ظل غياب المنظومة القانونية في غزة بفعل الحرب المستمرة، تتعرض حقوق المرأة لانتهاكات متزايدة، "القانون الأساسي لعام 2003 وتعديلاته، الذي يعد بمثابة الدستور الفلسطيني، يضمن في مواده حقوق المواطنين كافة، بما في ذلك حق النساء في المساواة والحماية القانونية، وهو ما يعطل حالياً وسط غياب المحاكم الشرعية والقانونية، بالإضافة إلى ذلك، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص على حق الجميع في العدالة، ويزداد تدهور أوضاعهن مع تعطيل قانون الأحوال الشخصية الذي يحرمهن من حقوقهن في النفقة، الحضانة، والميراث، كما تنتهك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي تضمن المساواة بين الجنسين، في حين أن القانون الدولي الإنساني يلزم بحماية المدنيين، بما في ذلك النساء، في ظل النزاعات المسلحة، كما يتسبب توقف المحاكم في انتهاك اتفاقية حقوق الطفل، مما يحرم الأمهات من حقوقهن في حضانة أطفالهن، كما أوضحت عليا نصار.

 

ولفتت إلى أنه في ظل غياب قانون العقوبات الفلسطيني، يتفاقم العنف الأسري والمجتمعي، مما يجعل تطبيق القرار 1325 الصادر عن مجلس الأمن، الذي يدعو لحماية النساء في النزاعات، ضرورة ملحة، مشددةً على وجوب تفعيل اتفاقية جنيف الرابعة والتي تدعو إلى ملاحقة كل من يثبت تورطهم بارتكاب جرائم حرب.

واقترحت إنشاء نقاط في أرجاء قطاع غزة لاستقبال الشكاوي والبلاغات من النساء، وتعيين نقطة استماع في كل مقرات الإيواء ومخيمات اللجوء لمتابعة أحوالهن والتخفيف من وتيرة العنف والضغوطات التي تواجههن والوقت ذاته لمحاربة المتغولين ضد حقوق المرأة، كذلك تقديم سلسلة من الورش التوعوية القانونية التي تعطيهن خلفية حول حقوقهن وكيفية الحفاظ عليها وأضافت "النساء يجب أن تكنّ على وعي بحقوقهن، حتى في ظل غياب الحماية القانونية، التوعية الذاتية والمعرفة بالقوانين، حتى وإن كانت غير مطبقة حالياً يمكن أن تساعد في تحسين وضعهن إلى حد ما".

ودعت المنظمات الحقوقية والدولية تخصيص تقارير وأبحاث معمقة حول غياب المنظومة القانونية والعدالة وتأثيره على النساء خلال الحرب على قطاع غزة، مشددة على ضرورة إبراز معاناة النساء وتسليط الضوء على الأوضاع المزرية عبر وسائل الاعلام بشكل مكثف.

وفي ختام حديثها قالت عليا نصار أنهم بحاجة ماسة إلى إعادة بناء النظام القانوني في غزة لضمان حماية حقوق النساء "إلى أن يحدث ذلك علينا الاستمرار في البحث عن حلول مؤقتة تساعدهن على الصمود في وجه الظروف القاسية، كما إن المرأة الفلسطينية في غزة تعيش في حالة من الخوف المستمر وعدم الاستقرار، ويجب علينا أن نعمل جميعاً كل من موقعه، على تقديم الدعم اللازم لهن".