ارتفاع كبير بنسب دعاوى التّفريق...والعدالة الاجتماعيّة تعتمد تطبيق قوانين المرأة

ألغيت كلمة طلاق في نظام العدالة الاجتماعية وحل محلها (تفريق)، إلا أنَّ ذلك لم يخفف من النَّتائج السَّلبيّة المُترتبة على المرأة في المُجتمع، وتتنوع أسباب ونتائج التَّفريق نظراً للظروف الرّاهنة التي تعيشها البلاد

رهف يوسف 
قامشلو ـ .
ما بني على الخطأ سيكون مصيره الفناء، هذا هو حال الزّواج في شمال وشرق سوريا، مع تزايد نسب حالات الانفصال، فخلال عامي 2019 و2020 بلغ عدد دعاوى التَّفريق 1164، وفي عام 2021 وتحديداً خلال السَّبعة أشهر المُنصرمة بلغ  343 حالة ليبلغ المجموع الكّلي لها في هذا العام 387، بحسب إحصائيات موثقة من لجنة العدالة الاجتماعيّة.
 
مُطلقات بين نيران لوم المجتمع واستحالة الحياة الزّوجيَّة
س، ع (18) عاماً، تزوجت في سن مبكرة برجل عمره 32 سنة ولم تكن تبلغ الـ 17 آنذاك، ولكن زواجها لم يستمر لأكثر من نصف عام، لأنها كانت بديلة لزوجة أخيها، تقول "نتيجة الخلافات بين أخي وزوجته، كانت عائلة زوجي تعنفني لفظياً، وتُحرض زوجي لضربي، لذا ولأنني لم أستطع تحمل الضَّغط وكنت حاملاً، أُجهضت الجنين". 
وبعد فقدان الطَّفل تفاقمت الخلافات بينها وبين زوجها، لتعود إلى أسرتها بعد أنَّ ضربها "بقيت عندهم لمدة شهرين، ولم يأت أحد لإعادتي، مما انعكس سلباً على علاقة أخي بزوجته، وأرسلها لمنزل أهلها، ولكنه بعد طلاقي أعادها، لأنها حامل ولم نُرد تدمير حياته".
ولم يتركها النّاس وشأنها "بدأت أسمع من جاراتي وصديقاتي كلاماً سيئاً عني، على اعتبار أن زواجي لم يستمر لمدة طويلة، حتى أنني كلما تشاجرت مع إحدى شقيقاتي أو زوجات أشقائي تعيرني بكلمة (مُطلقة)، لذا أعيش جحيماً".
أما ر، ص (31) عاماً، قالت إنها تزوجت برجل وحيد لأسرته، لذا كان عليها ضغط كبير لإنجاب الأطفال بسرعة، "بعد عام على زواجي لم تظهر أي علامات للحمل، لذا ذهبت مع حماتي وابنتها للطبيب، الذي أكد لنا أنَّني بخير وكل شيء طبيعي، وطلبت من زوجي الذّهاب للفحص، لكنه تمنع عن هذا ولم أضغط عليه".
وتضيف "بعد عامين تحولت حياتي لجحيم أصبحت أفعل المُستحيل لأرضي زوجي وأسرته، لأنني لم أنجب طفلاً "بدأوا بإقناع زوجي بالزّواج، وهذا ما فعله حقاً، ولم تنجب الزوجة الثانية هي الأخرى أطفال، لقد كان الأمر مؤلماً جداً بالنَّسبة لي، وطردت إلى منزل أسرتي نتيجة الخلافات، وحتى الآن يرفض طليقي زيارة الأطباء للعلاج خوفاً على رجولته التي ستخدش بكلام النّاس".
 
للتفريق تبعات وأسباب عدة تؤدي لتفكك المجتمع 
 
قالت لوكالتنا الإداريَّة في دار المرأة بمدينة قامشلو بهية مراد، أنهنَّ في دار المرأة يعملنَّ على تحقيق الصَّلح الاجتماعي، عبر حل القضايا التي تُرفع للدار، وفي حال كان هناك إصرار على التَّفريق تُحال القضية للمحكمة.وعن أسباب الطّلاق بينت "له أسباب عدة كالحروب والنّزاعات والهجرة التي تؤدي لتردي الأوضاع الاقتصاديّة والفقر، والمشاكل النَّفسية، وزواج القاصرات، وعدم تقارب المُستوى الثّقافي ولا سيما إذا كانت المرأة متعلمة، مما يجعل الرّجل يشعر بالنقص فيلجأ لتعنيفها، وسوء الاختيار الذي تزايد بسبب التَّعارف عبر مواقع التّواصل الاجتماعي".
وأكملت "هناك نساء يقبلنَّ التّعنيف، ولكن استمرار ذلك يؤدي إلى تراكمات لديهنّ وطلب الطلاق، وهناك رجال يريدون الزّواج بأخرى ونظراً لمنع ذلك هنا يطلق زوجته الأولى". 
وبالنسبة لزواج القاصرات تفيد بهية مراد أنهنّ دون سن الـ 18، ولم يكتمل فكرهنّ ولا يملكنّ خبرة بالحياة "فتياتنا يعتبرنّ الزّواج مجرد فستان ومصاغ ذهبي وهدايا جميلة ونُزهات، غير مدركات للمسؤولية المُترتبة على ذلك".
وتذكر إحدى الحالات التي أتت إليهنّ وهي لفتاة حامل وتريد أنَّ ترتاح، لكن عائلة زوجها متطلباتهم كثيرة، "كانت تفكر بالانتحار بسبب ضغط العمل، وهنا تقع المسؤولية على عاتق الزّوج وعائلته".
وفي حال قُدم بلاغ بوجود زواج قاصر، تُرسل دار المرأة بطلب الأهل وتجعلهم يكتبون تعهداً بعدم تزويج الفتاة إن لم تبلغ السّن القانوني، "نعاني بشدة من زواج القاصرات الذي يحدث بدون علمنا ويؤدي للطلاق، فزواج قاصر يعني مجتمع قاصر، لذا وضع قانون في عام 2014 يمنع ذلك".
ولعل أكثر فترة وردت شكاوى فيها بهذا النّوع من الزّواج كانت بعد الحظرين المتتابعين، نتيجة تفشي وباء كورونا في العام المُنصرم، وترى أن التَّفاهم وحل مشكلات الزّوجين من ذوي العمر المناسب أسهل من التّعامل مع القاصرين "لا نستغرق جلسة أو اثنين لحل مشكلاتهم، فهم أكثر وعي، بينما القاصر تُصر على رأيها".
وينجم عن الانفصال آثار كبيرة على المجتمع "غالباً ما يؤدي الانفصال للتَّفكك الأسري مما ينعكس سلباً على الأطفال ويؤدي لتشتتهم أو لجوئهم للشارع، ومصادقة السّيئين، والتّسرب من المدارس، وامتلاكهم لنزعات عنيفة، وفي كثير من الحالات لا تريد المرأة الطَّلاق لتحافظ على أطفالها خاصة أنها بلا مورد اقتصادي، وإننا هنا نقدر النّساء اللواتي يتمسكنَّ بحضانة أطفالهنَّ".
وعن الحلول تقول "هناك شروط للطرفين قبل الزّواج يجب الالتزام بها، وهي معرفة الزّوجين لبعضهما قبل الزّواج، وإجراء الفحوصات من أجل الأمراض الوراثيّة، وهناك تعديل لقانون المرأة لتسهيل ذلك، والتّركيز على توعية الأهل للفتاة، ونحاول في الأيام القادمة ألا تكون نسب الانفصال كثيرة". 
وتشير بهية مراد إلى أن إحدى الحالات التي وردت إليهم لاثنين تزوجا منذ ثماني سنوات، ولكنهما لم ينجبا الأطفال، ولذا لجأت المرأة للعلاج، ولكن بعد إجراء العملية رفض زوجها إنجاب طفل منها، بحجة أنه قد لا ينجب آخر، ولا يريد ذلك، "تطلقت المرأة مع الأسف، رغم محاولاتنا بكافة الوسائل للإصلاح، وهذه القضية أثرت فينا بشكل كبير".
 
آلية التَّفريق والحقوق والواجبات المُترتبة على الطّرفين
 
 
الرَّئاسة المُشتركة للجنة العدالة في إقليم الجّزيرة أينور زيد باشا، تبين أنه بموجب المبادئ الأساسية التي سميت بقانون المرأة والصّادرة في عام 2014، لا يوجد شيء اسمه طلاق في نظام العدالة الاجتماعيّة إنما تفريق، "الخلافات الزّوجيّة يجب أنّ تمر على دار المرأة لتسعى للمصالحة، وفي حال استحالة العيش يتم كتابة اتفاق رسمي على التّفريق، ومراجعة دواوين العدالة لتثبيت الاتفاق".
وتؤكد على أن القوانين التي تحمي حقوق المرأة هي ثورة نوعية في طريق تحقيق المساواة بين الجّنسين، "في البداية واجهت القوانين رفض الفئات المُجتمعيّة المُتمسكة بالعادات والأعراف، ومع مرور الزّمن وتطبيق المواد قُبلت في كل من الجّزيرة وكوباني وعفرين".
ويتم التَّفريق بموجب قرار قضائي يصدر عن ديوان العدالة، حسب القضايا المطروحة وأسبابها، "نتمسك بتطبيق قانون المرأة، ولكن هناك حالات نلجأ للقانون السّوري فيها إذا لم يكن هناك ما يناقض فلسفة العدالة الاجتماعيّة".
وعن الاجراءات قالت "في البداية يتم قيد الدّعوى أمام ديوان العدالة، ثم تحديد جلسة والاستماع للطرفين كلٌ حسب ادعائه، ودعوة الشّهود إن وجدوا في حال التّعرض للضرر، وعند اصرار أحد الطرفين على التّفريق تُدرس الحالات التي تنطبق على الدّعوى المعروضة عليها، ونقوم بإعطاء مهلة للزوجين لمراجعة أنفسهما، وإدخال أشخاص للمصالحة بينهما ليؤثروا في الطّرفين، وعند تعذر ذلك، يتم إصدار القرار حسب الاسباب الموجبة للتفريق".
وبعد إصدار قرار التَّفريق "يوجد حقوق لكلا الطّرفين، فالزّوجة تطالب بالأشياء الجَّهازيّة والمصاغ الذّهبي، ويتم إلزام الزّوج بإعادتها لها كونها من حقها، وأما حضانة الأطفال والرؤية، فالمحكمة تنظر للأصلح بتربية الطّفل، وتعطي للأم الحق بالحضانة حتى سن الـ 15 عام، وبعد ذلك يخير الطّفل في حال كانت المرأة قادرة على تلبيّة مستلزمات أطفالها".
أما عن النَّفقة "هي مشتركة بين الطّرفين، وتحدد على أساس المأكل والمشرب والطبابة والدّراسة، وتأمين مسكن آمن للطفل ليعيش بعيداً عن المُشاحنات، وإذا كان للأم مسكن لا تُطالب بذلك، وفي حال لم يكن لديها المحكمة تلزم الزوجين بتأمينه، ومن حق الطرف الآخر رؤية الطّفل في فترات وساعات محددة بالأسبوع حسب الاتفاق".
وفي الختام أكدت أينور زيد باشا على ضرورة عرض حلقات تُعرف بقانون المرأة والاسباب التي أوجبت وجوده، وأجابت عن سؤالنا إن كانت المرأة بحاجة لهذا النّوع من القوانين، وهل تحدد أو تؤطر بقانون؟ بالقول "من وجهة نظري الشّخصيّة، المرأة أسمى من أن تحدد بقانون، فهي بلا حدود، وحدودها الوحيدة الأخلاق، فإن عملت ضمت هذا النّطاق وعرفت حقوقها وواجباتها لن يكون هناك إشكاليّة".