اليوم العالمي لحقوق الإنسان... 7 عقود والدعوات مستمرة لتحقيق الحرية والمساواة
يحق لكل إنسان أن يتمتع بمجموعة واسعة من الحقوق والحريات الأساسية أينما وجد بدون تمييز كي يعيش كل شخص حياته متمتعاً بالحرية والمساواة والكرامة.
مركز الأخبار ـ اعتبر إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي نص على أن العاشر من كانون الأول/ديسمبر هو اليوم العالمي لحقوق الإنسان، المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب والأمم والكفيل لجميع الأفراد ويعكس اتفاقاً ينص على أن العدالة والمساواة والحرية هي من القيم التي تبني مجتمعات سوية يحصل فيها الجميع على فرص متماثلة في مختلف المجالات.
ترجم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها لأكثر من 500 لغة، وساهم في تعديل الكثير من دساتير الدول المستقلة والديمقراطيات الحديثة، شمل الإعلان 30 مادة تتناول الحقوق والمزايا التي وصل إليها العديد ولكنها لا تزال بعيدة المنال عن البعض الآخر، منها الحق في العمل في ظروف عادية ومرضية والحماية الاجتماعية ومستوى معيشي لائق، والحق في الحصول على التعليم والتمتع بفوائد الحرية الثقافية والتقدم العملي.
بالإضافة لحرية التنقل والمساواة أمام القانون وحرية الفكر والوجدان والدين وحرية التعبير والرأي والتجمع السلمي والمشاركة في الشؤون العامة والانتخابات، وكذلك حماية حقوق الأقليات ويحضر الإعلان الاعتقال التعسفي والتعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية والعبودية والسخرة والتمييز والتدخل في الحياة الخاصة والدعوة إلى الكراهية العنصرية أو الدينية.
وبالرغم من ذلك تحدث انتهاكات لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم وعلى رأسها إخفاق الحكومات في التقيد بالتزاماتها وعدم ضمانها تمتع أفرادها بحقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على الرغم من أنه خلال العقود المنصرمة تم توسيع العديد من المجالات منها الطب والتكنولوجيا والبيئة وغيرها، إلا أن إعلان الأمم المتحدة لعام 1948 لحقوق الإنسان في العديد من الدول لم يعكس حق المساواة والحرية والعدالة.
واقع حقوق الإنسان في ظل الأزمات والانتهاكات الراهنة
لقد اجبر ملايين الناس على إخلاء منازلهم رغم أن لهم الحق في السكن اللائق كما يحدث في سوريا واليمن وغزة وغيرها في العديد من البلدان التي تشهد حالات الحرب و التعسف ، حيث تتواصل انتهاكات حقوق الإنسان في شمال وشرق سوريا منها أعمال القتل والاختطاف والاستيلاء على الأراضي والإجلاء القسري على يد الاحتلال التركي ومرتزقته.
كما أن للإنسان الحق ببيئة صحية خالية من التلوث ففي غانا يعاني الناس من تلوث ناجم عن أنشطة التعدين التي تسبب تلوث المياه وإزالة الغابات، وقد نص الإعلان على حقوق مرتبطة بالعمل إلا أن الإنسان لا يضمن الحد الأدنى من الأجور الكافية لتوفير حياة كريمة.
كما كشفت تقارير أممية أن جرائم إبادة وقتل واسترقاق وتعذيب واغتصاب واختفاء قسري في كوريا الشمالية التي لا تختلف عنها إيران كثيراً فقد فرضت عليها الكثير من العقوبات الدولية على خلفية انتهاك السلطة الإيرانية لحقوق الإنسان وكان آخرها قمع المتظاهرين السلميين منذ بدأ الاحتجاجات على مستوى البلاد في عام 2022 بعد مقتل الشابة "جينا أميني" على يد شرطة الأخلاق لعدم التزامها بقواعد الحجاب الإلزامي الذي تفرضه السلطات على النساء.
وهناك الكثير من الأحداث حول العالم كشفت عن أوجه ضعف المنهجية في حماية الحقوق الأساسية منها جائحة كورونا التي سلطت الضوء على الانتهاكات الواسعة في حقوق المرأة حيث تم تقليص خدمات الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية لها كما زاد العنف القائم على النوع الاجتماعي ضدها، كما واجه كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة آثار مدمرة وغير متناسبة وفاقمت من الفقر وعدم المساواة في الحصول على الرعاية، بالإضافة للمشاكل الحقوقية الناجمة عن استخدام التكنولوجيا لمكافحة الجائحة.
والكثير من الحكومات لم تقدم اللقاحات بشكل عادل لإنهاء الوباء وزاد ذلك من ترسيخ فكرة انعدام المساواة وتقويض حقوق الإنسان لسنوات قادمة، وهناك حكومات استخدمت الجائحة ذريعة لتقليص الحقوق كفرض القيود على التنقل وفرضت تدابير تمييزية كما استخدمت الجائحة لقمع حرية التعبير والتجمع السلمي، كما أن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت عن نقاط الضعف في حقوق الإنسان إلى جانب أزمات المناخ التي ساهمت في تفاقم حالات عدم المساواة.
الانتهاكات جارية ولا ضمان للحقوق أو محاسبة للمخترقين قانونياً
هناك الكثير من المعاهدات والهيئات والآليات الرامية لتعزيز حماية حقوق الإنسان منها اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية عام 1948 التي اعتبرت أن الإبادة تسببت بخسائر جسيمة بحق الإنسانية، وفي عام 1965 استُحدثت الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري المتضمنة على 18 مادة.
ولأن التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكاً لمبدأ المساواة في الحقوق وعقبة أمام مشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الأمر الذي يتسبب في تأخر نمو وتطور الأسرة وبالتالي المجتمع، أعلن ميثاق الأمم المتحدة عام 1979 عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
كما أقرت اتفاقية حقوق الطفل عام 1989 التي اعترفت بأن الحياة والحصول على جنسية واسم والتعبير عن الرأي وتلقي الرعاية من الوالدين هي من الحقوق الأساسية لكل طفل، كما تلتزم الاتفاقية بتوفير الحماية للأطفال من التنكيل والاستغلال وتوفير تمثيلاً قانونياً في أي خلاف قضائي، كما تم اتفاقية على حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عام 2006 وفي ذات العام تم إنشاء مجلس حقوق الإنسان الذي يعمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان وذلك من خلال معالجة الانتهاكات.
وفي كل عام منذ تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان يتم الاحتفال بالذكرى السنوية لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 كانون الأول/ديسمبر بهدف إحياء روح الإعلان وتجديد الإجماع الدولي عليه، وفي كل عام تتنوع المواضيع ففي عام 2020 حملت الاحتفالية موضوع "إعادة البناء بشكل أفضل"، و"الشباب يدافعون عن حقوق الإنسان" شعار العام الذي يسبقه.
بينما حمل موضوع الاحتفالية لعام 2021 "المساواة ـ الحد من التفاوتات والدفع قدماً بإعمال حقوق الإنسان" وفي العام الماضي وتحضيراً لهذه المناسبة أطلقت حملة امتدت عاماً كاملاً هدفت على تسليط الضوء على الإرث الذي قدمه الإعلان وأهميته والأنشطة المقدمة في إطاره، وفي الذكرى السنوية الـ 75 لاعتماد الإعلان حملت احتفالية هذا العام موضوع "الكرامة والحرية والعدالة للجميع".
انتهاكات حقوق الانسان عام 2023 في ذروتها
لا يخفى على المرء مدى تطاول الانتهاكات التي تركت بصمة على أجندة العام الجاري، خاصة الانتهاكات التي طالت النساء والأطفال المسنين والمرضى والفقراء لم يسلموا من فقدان طعم حقوهم الأساسية.
ولعل الحديث عن هذه الانتهاكات كان قد ظهر للعيان في أفغانستان وغزة واليمن وإيران وسوريا وتركيا بأمثال لا تعد ولا تحصى حيث كان هناك اعتقال واستهداف عشوائي لنشاطات وإعلاميات ونسويات بطرق غير قانونية و أخلاقية وفق بعض القوانين و المعاير التي تنص على أسباب تلك الاعتقالات و محاكماتهم.
ففي منتصف شهر آب/أغسطس من العام 2022 اعتقلت الناشطة الحقوقية في مجال تعزيز حقوق المرأة فاطمة العرولي وهي الرئيسة السابقة لمكتب اليمن في اتحاد قيادات المرأة العربية التابع لجامعة الدول العربية، في منطقة الحوبان شرقي مدينة تعز من قبل الحوثيين وهي في طريقها إلى مدينة عدن، وتم اقتيادها إلى أحد السجون في صنعاء.
فقضية فاطمة العرولي التي قد قضت المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة في صنعاء في الخامس من كانون الأول/ديسمبر بإدانتها بتهمة "التخابر مع الدول العدوة في حالة الحرب مع اليمن"، وحكم عليها بالإعدام تعزيزاً و لا يزال مصير العرولي، بعيد عن ضمانات الحقوق الدولية.
وفي إيران فقد رفعت الصحفية الإيرانية المعتقلة في سجن قرتشك نيلوفر حميدي، شكوى ضد القاضي الذي يتولى البت في قضيتها، لرفضه إطلاق سراحها بعد عام من السجن المؤقت وعدم إحالتها إلى محكمة الاستئناف، في حين أعلن زوجها على حسابه على منصة التواصل الاجتماعي إكس أن زوجته رفعت دعوى على القاضي.
وأوضح أن نيلوفر حميدي التي اعتقلت على إثر إعدادها تقريراً لصحيفة "شرق" الإيرانية من المشفى التي نُقلت الشابة جينا أميني إليها عندما دخلت في غيبوبة لمدة ثلاثة أيام قبل أن تفقد حياتها؛ قد رفعت شكوى ضد قاضي محكمة الثورة لأنه رفض إطلاق سراحها بعد عام من الحبس المؤقت، وأجل الدعوى ولم يقم بإحالة القضية إلى محكمة الاستئناف، وقال "ليس لدينا علم بكيفية التعامل مع هذه الشكوى، لكن الاحتجاز المؤقت لنيلوفر مستمر بشكل غير قانوني بعد 444 يوماً".
أما في سوريا فكان لاستهداف تركيا لناشطات تعملن في مجال تنظيم المرأة وتوعيتها كالرئيسة المشتركة لإحدى مقاطعات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا يسرى درويش ونائبتها ليمان شويش انتهاكاً كبيراً في حزيران/يونيو هذا العام .
أما بالنسبة لمطالبات نساء السويداء بحقوقهن في الحياة، فقد خطت جماهير النساء خطوة كبيرة لتعزيز مطالبها وتوحيد صوتها و ارادتها عن طريق تنظيم المظاهرات السلمية وتوحيد صوت المرأة السورية
وفي تونس تم إصدار أمر حكم بالسجن بحق الناشطة السياسية عبير موسي على خلفية تقديمها طعن في مرسوم رئاسي واستمر التحقيق معها لساعات طويلة، واعتبر حزب الدستوري الحر الذي تنتمي إليه أنه هذا الحكم ما هو إلا محاولة لحرمانها من حقها في المشاركة بالانتخابات الرئاسية لعام 2024.
لذلك نستنتج أن أنه مهما حدث من تقدم في التكنولوجيا والطب وغيرها من المجالات إلا أن حقوق الإنسان تبقى تحت مطرقة الانتهاكات خاصة بحق المرأة الناشطة والمناضلة والمطالبة بالحرية والمساواة، الانتهاكات التي طالت حقوق الإنسان على مر التاريخ لا يزال راسخاً في الأذهان على الرغم من كثرة الاتفاقيات والمعاهدات.