العراق... الحركة النسوية تنجح في إيقاف تمرير المقترح
موجة غضب ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي والسوشال ميديا في العراق قبل أيام قليلة من انعقاد جلسة مجلس النواب في يوم الأربعاء 24 تموز/يوليو الجاري، سحب على إثرها مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية (رقم 188 لسنة 1959)، وأضطر إلى تأجيلها حتى إشعار آخر.
رجاء حميد رشيد
العراق ـ اعتبرت الناشطات العراقيات أن تعديل قانون الأحوال الشخصية ما هو إلا دعوة لمغادرة الهوية الوطنية، وتحويل العراق من دولة مدنية إلى أخرى دينية تخالف العالم الجديد وتنتهك حقوق الطفولة والمرأة، والتسبب بإثارة النعرات الطائفية وتسليم زمام الحكم لرجال الدين والمتطرفين.
حملة مطالبة واسعة لرفض مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق، حيث تم تحشيد الرأي العام من قبل وسائل الإعلام العراقية والمدونين/ات والنشطاء المدنيين وبعض الشخصيات السياسية المدنية والديمقراطية والوطنية، ومشاركة منظمات المجتمع المدني وبالتعاون مع المؤسسات القانونية والمحاميات والقضاة تضامناً مع الحملة التي أطلقتها الحركة النسوية العراقية، فضلا عن قيام بعض أعضاء مجلس النواب الرافضين للتعديل بجمع التواقيع لسحب المقترح وعدم تمريرة ضمن انعقاد جلسته الأخيرة.
حقوقيات يرفضن التعديل قانونياً
أكدت المحامية هند كريم على أن التعديل على قانون الأحوال الشخصية المقدم من المحافظين المزمع تمريره أمام البرلمان والذي تم سحبه لاحقاً، إنما المقصود منه العودة إلى عقود الظلام والتخلف إبان الاحتلال البريطاني عام 1925، حيث لم يكن هناك قانون جامع لكل الأسر العراقية بمختلف طوائفها، وإنما أحكام شرعية سنية وأحكام شرعية جعفرية تتبع مجلسي التمييز لهذين المذهبين التي تتبع سلطة رجل الدين والإقطاعي وشيوخ العشائر.
ولفتت إلى أن هذا التعديل يهدف لإضعاف موقف الدولة العراقية أمام المواثيق والمعاهدات التي صادقت عليها في حماية الطفولة والمرأة، وتراجع أمام المجتمع الدولي، "هذا التعديل مرفوض من قبل الأحزاب الوطنية، وكذلك منظمات المجتمع المدني وحتى من قبل بعض رجال الدين، وأن منح السلطة لرجل الدين في عقود الزواج وتصديقها يشمل زواج القاصرات بأعمار تسعة سنوات، وحرمان المرأة من الإرث في الأراضي الزراعية هو أمر مخالف للشرع والقانون".
كما قالت المحامية إسراء الخفاجي، إن ما طُرح في تعديل قانون الأحوال الشخصية فيما يخص المادة (2) التابعة للمادة (41) الدستورية والتي تحث على أن يكون القانون وفق مذاهب تذكر في قانون الأحوال الشخصية، وأن المضي بإجراء هذا التعديل له سلبيات، تنعكس آثارها على العلاقات الاجتماعية وخلق المشاكل الأسرية، فيما ترتقي الدول بإعطاء النساء حقوقهن، يسعى البرلمان العراقي بتشريعات تعود بنا إلى عصور الظلام، حيث أن تعديل قانون 188 لعام 1959، يسمح بزواج القاصرات في سن التاسعة والقاصرات، كما يستبيح تعدد الزوجات".
وتابعت "سيعمل على زيادة المشاكل والصراعات والتعنيف الأسري وضياع حقوق النساء والأطفال، بالإضافة الى النفقات والميراث، وحرمان الزوجة المريضة من النفقة، وحرمان الزوجة التي لم تمكن زوجها منها (لم تمتعه) من النفقة، وحرمان الفتاة والأم من حقهما في ميراث العقار، بالإضافة الى إباحة الزواج خارج المحكمة، والكثير من الأمور التي تؤثر سلبياً على المجتمع".
من جانبها أصرت الباحثة المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان زينب جواد حسن على رفضها مقترح تعديل هذا القانون وبشدة من قبل القانونيين/ات والحقوقيين/ات وفريق مدافعون بلا حدود، واصفةً إياه بأنه مقترح ملغوم يحتوي على قوانين قد تمرر ما وراء السطور وتعد كارثة في المجتمع العراقي".
وأضافت "يُسمح بموجب المقترح تزويج القاصرات بموجب الولاية الجبرية للأب، على أساس أن تشريع القانون لا يكون فيه إجبار أو إلزام من الآباء، ولكن سيحمي الأطفال من بعض الآباء ضعاف النفوس أو من بعض المنحرفين أخلاقياً أو من بعض المتعاطين، أما من حيث مسألة الإرث فإن التعديل لا يسمح بتوريث المرأة الإرث، لكن يورثها من المشيدات ولا يورثها من الأرض، وهذا انتقاص من حقوقها، ومن ناحية النفقة فإن هذا القانون وضع شرطاً بأن المرأة لا نفقة لها إلا حين الاستمتاع بها، وهذا أمر معيب بحق النساء العراقيات".
وأوضحت زينب جواد حسن أن مقترح تعديل هذا القانون سيعمل على تحجيم دور القضاء، لأنه يعمل على تشتيت فقرات القانون الفقهية حيث سيتداخل الفقه مع القانون بطريقة قد تؤدي إلى تنازع القوانين، وبالتالي سيكون اللجوء إلى محاكم مذهبية وضع القانون لها الأفضلية على المحاكم المدنية وهذا يتنافى مع كون العراق دولة مدنية وليست دينية.
وتابعت "سيسبب هذا المقترح بتزايد نسب الطلاق إذ أنه يحرم المرأة من بعض حقوقها مما يؤدي إلى تسهيل إجراءات الطلاق، وباستطاعة الزوج الزواج من أخرى لأن هذا القانون يسمح له بالزواج خارج المحاكم من خلال رجل الدين وتبقى الأولى معلقة وهذا سينعكس سلباً على الحياة الاجتماعية وتفكيك المجتمع، فضلاً عن أن الزواج خارج المحاكم إذا لم يتم تصديقه فلا يوجد ما يثبته وهذه كارثة ستتحمل المرأة عواقبها".
من جانبها بينت المحامية وسن الداوودي، أن "مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية، إتاحة الفرصة لزواج القاصرات، وإثارة الفتن والطائفية في المجتمع العراقي، وهذا أمر مرفوض، لأن الشعب العراقي شعب واحد، أما بالنسبة إلى النفقة تكون في حالة الاستمتاع فقط، وإلا ستسقط عنها النفقة، بالإضافة إلى الكثير من الحالات السلبية التي ستنعكس على المرأة العراقية فهي ليست جارية ولا سلعة"، مؤكدةً رفضها على هذا تعديل المجحف بحق الطفولة والمرأة.
المحامية تأميم العزاوي، قالت عن فائدته إن "هذا المقترح لم يأت بجديد بل كان ضمن سلسلة مقترحات سبقته مثل قانون الاحوال الشخصية الجعفري، وقبله قرار 137 الصادر يوم 29 كانون الأول/ديسمبر 2003، وكانا يسعيان إلى إلغاء قانون الأحوال الشخصية بصيغة أو بأخرى".
وأضافت "المقترح لن ينفع المجتمع العراقي لأنه سيركز على مفهوم الطائفية والمذهبية، ونحن بحاجة إلى زيادة اللحمة الوطنية وليس تفكيكها من أجل النفع العام، من جانب أخرما جاء به القانون بالتركيز على المذهبية حيث أن هناك في عقد الزواج تثبيت أجل استحقاق المهر المؤجل للمرأة حيث أن في المذهب الحنفي سيكون عند أقرب الأجلين (الموت أو الطلاق)، وبالنسبة للمذهب الجعفري سيكون عند المطالبة والميسرة، إذا عقود الزواج أخذت هذا الجانب والمحاكم العراقية عملت بهذا الموضوع، القاضي العراقي يفقد عقد الزواج وفقاً للشرع والقانون، إذن لم تكن هناك ضرورة ملحة لهذا التعديل".
القانونية والمحامية فائزة باباخان، أكدت أن "هناك آثار عامة جراء مشروع مقترح تعديل القانون سوف يؤدي إلى تعزيز الطائفية، كما يؤدي إلى التمييز بين امرأة وأخرى، ونحن نسعى إلى تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل، لأن المذاهب جميعها لم تتفق على حكم واحد، فهناك اختلاف في النفقة حسب الفقه ففي الجعفري يختلف عنه في الحنفي أو المالكي والأمامي".
وأضافت "تتضمن الأحكام الفقهية وجود أحكاماً رجعية ولا يوجد اجتهاد جديد من قبل الفقهاء حول حقوق المرأة وواجباتها في الوقت الراهن وهي المرأة العاملة والمثقفة والواعية كما أن هذه الأحكام فيها مثالب كثيرة منها أنه يجعل المرأة مجرد وعاء غريزي للرجل ويشتت العائلة والأسرة وانتهاك لأدمية المرأة".
من جانبها نشرت النائبة في مجلس النواب العراقي عالية نصيف على حسابها في منصة "إكس" رفضها للتعديل بالقول "البعض انتقدوا موقفي الرافض تعديل قانون الأحوال الشخصية إلى درجة أنهم اتهموني اتهامات مضحكة، سأقولها الآن باختصار شديد وليسمعني العالم كله، أنا أم وجدة ولدي حفيدات، ومثلما أخاف على حفيدتي الطفلة ذات التسع سنوات أخاف على بناتكم، وأرفض تزويج القاصرات، ابنتك قطعة من قلبك، ابنتك البريئة هي أجمل شيء في حياتك، ضموا صوتكم إلى صوتي واتركوا الخلافات جانباً".
فيما ثمنت رابطة المرأة العراقية ببيانها الصادر في 26 تموز/يونيو الماضي، موقف عدد من أعضاء البرلمان ممن تضامن مع هذه الحملة وساهم في جمع تواقيع عدد من النواب لسحب مقترح تعديل القانون، كما أثنت على الجهود المبذولة من قبل كل المشاركين في هذه الحملة التي تحولت إلى قضية رأي عام ورفض إدراج مسودة تعديل القانون، مشيرةً إلى أن المقترحات التي قدمت لتعديل القانون تعيد العراق خطوة للوراء في مجال حقوق المرأة والأسرة والطفولة وتناقض مبادئ الدستور وتتنافى مع العدالة والقيم الإنسانية التي وفرها قانون الأحوال الشخصية العراقي.
وأكدت الرابطة على "مواصلة نضالنا ووحدة جهودنا والإصرار على رفض أي مسعى لإعادة مناقشة القانون دون أن يكون لأصحاب الشأن رأي واضح فيه".
كما نظمت عدد من منظمات المجتمع المدني والتحالفات والشخصيات (شبكة النساء العراقيات شبكة المرأة الأمن والسلام) شبكة حقي للمدافعات عن حقوق الإنسان، منظمة تمكين المرأة، رابطة المرأة العراقية مركز معلومة) مذكرة إلكترونية لجمع تواقيع، لا لتعديل المادة 2 من قانون الأحوال الشخصية العراقي.
إضافة لعقد العديد من الندوات والجلسات لمختلف المؤسسات والمنظمات واستضافة الحقوقيين/ات والقانونيين/ات لبيان سلبيات التعديل على المرأة والطفل خاصة والمجتمع عامة، فضلاً عن التظاهرات لرفض مقترح التعديل، ورفع شعار "كلا لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية"، "عصر الجواري ولّى"، "ولن نقبل أن تعامل المرأة كالعبيد"، والحملات والبرامج مستمرة.