المساواة في الميراث في تونس... ثورة متجددة
منذ أن خرج مشروع قانون المساواة في الميراث إلى العلن بعد عمل دام سنوات في الخفاء، أُثير الجدل بين مختلف الأوساط التونسية وخاصةً منها تلك التي تدّعي الوصاية على الدين الإسلامي ومن ضمنها حركة "النهضة"
زهور المشرقي
تونس ـ .
ترفض حركة النهضة في تونس مشروع القانون الخاص بالمساواة بين النساء والرجال في الميراث والوارد في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، التي كان يتم العمل عليه في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.
وكانت الجمعيات النسوية قد أعلنت دعمها لمشروع قانون غير مسبوق في العالم العربي يضمن المساواة في الإرث واعتبرته ثورة حقيقية في مجال الحقوق.
وتحدثت لوكالتنا عدة ناشطات نسويات عن مشروع المساواة في الميراث وأبدين رأيهن في ذلك.
قالت الناشطة النسوية التونسية حياة بن عمر، أن مشروع قانون المساواة في الميراث بين الجنسين مشروع "تقدمي وغير مسبوق" في تونس والبلدان العربية بأجمعها.
وعلقت حياة بن عمر على الضجة التي أثيرت مؤخراً بخصوص قبول رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد النقاش مستقبلاً على هذا المشروع بعد أن أبدى سابقاً رفضه التام للمساس بالنصوص القرآنية، مؤكدةً أن تلميح الرئيس مبهج ويشكل أمل لنساء تونس اللواتي ينتظرن العمل بالمشروع بعد سنوات من التضحيات.
وقالت أن "التونسيات يساهمن في صناعة وبناء الثروة مثلهن مثل الرجل"، متسائلةً "لماذا يتم حرمانهن من حقهن في تقاسم الميراث في بلد يؤمن ويشرّع لكل الحريات والحقوق؟".
وبدورها أشارت رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في تونس بدرة قعلول "أن كل شيء قابل للتعديل والتطوير وفق مصلحة الشعوب والمجتمعات".
وتضيف أن "المجتمع التونسي يناقش قضية حساسة مثل قضية المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث منذ ثلاث سنوات إلى اليوم، واكتفى المعارضون لذلك بالتعبير عن رفضهم وإبداء وجهات نظرهم من القضية، في حين أن إثارة مثل هذه القضية في مجتمع آخر قد يجر على أصحاب المقترح ومؤيديه سيلاً من اللعنات وغيرها".
وقالت بدرة قعلول "نريد أن نبني مجتمعاً متجانساً منفتحاً بعقلية مختلفة متعدد الانتماءات السياسية والفكرية والأيديولوجية، ومهما اختلفنا في الآراء والمواقف من هذه القضية أو تلك، فهذه الأشياء ضرورية ومهمة جداً لبناء دولة مدنية حقيقية كما نص على ذلك الدستور التونسي، وهو الحكَم والفصل بين جميع القوى المجتمعية".
ومن جانبها تقول المشرعة والقاضية التونسية نجلاء بن رمضان، "أن القانون سيكفل الحرية للشخص في طريقة توزيعه للميراث سواءً وفقاً للآية القرآنية التي تحدد نسبة كل فرد في العائلة، أو وفق القانون الجديد بالتساوي بين الرجل والمرأة".
وأشارت إلى أن مشروع القانون قد أثار جدلاً بين مختلف التيارات السياسية والفكرية في البلاد، وتظاهر احتجاجاً عليه مئات التونسيين إلا أن الجمعيات النسوية والحقوقية متمسكة بتمرير المشروع، معتبرةً أنه انتصار لسنوات من التعب والتضحية.
بدورها علّقت الصحفية أميرة زغدود، بالقول "ترك الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي خلفه العديد من الملفات السياسية والاجتماعية والنسوية الهامة التي كان قد عمل على إرسائها، أبرزها المساواة في الميراث، ونتمنى أن يمرّ مشروع هذا القانون، وسندافع عنه للدفع بالفوز به لأنه يشكل انتصاراً لمبادئ المساواة والدولة المدنية الحداثية، برغم الفكر الرجعي الذي يرفض قطعياً إقرار مثل هذه القوانين بحكم نظرته الدونية للمرأة على اعتبار أنها ربّة بيت وأم لا غير".
وتابعت "في بلدنا انتصارات كثيرة تُذكر، فقد ألغى الراحل قائد السبسي تحفظات تونس عن الاتفاقية الدولية لإلغاء التمييز بحق المرأة، وشكل ذلك نقطة بدء العديد من التطورات بينها قانون تجريم العنف ضد المرأة، ومنذ أيلول/سبتمبر 2017، بات بإمكان التونسيات المسلمات الزواج من غير مسلمين... هي انتصارات وترجمة لعمل مستمر وشاق، وسنسعى إلى إقرار المساواة الكلية بين الجنسين وإلغاء الممارسات المشينة في مجتمع ذكوري كغيره من المجتمعات".
وكان الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، قد تقدّم في الثالث عشر من آب/أغسطس 2017 بمشروع قانون المساواة في الميراث بين الجنسين، وأذن حينها بتكوين "لجنة الحريات والحقوق الفردية" التي تعهدت بصياغة مشروع القانون وكتابة التقرير الخاص به، وبعد حوالي سنة من الأشغال واللقاءات قدمت اللجنة التي ترأستها الحقوقية والنائبة السابقة بمجلس نواب الشعب بشرى بلحاج حميدة، تقريرها المتكون من 233 صفحة.
وأثار التقرير حينها جدلاً كبيراً في الشارع التونسي، مما أدى إلى إيقاف النقاشات حوله داخل لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية في البرلمان وهي اللجنة المتعهدة بمشروع القانون، وينتظر أن يستأنف النقاش حوله قريباً.