'العمل من أجل التصديق على اتفاقية 190 يتطلب جهد ومشاركة جميع الأطراف'
الأمان في عالم العمل واحد من أهم آمال النساء حول العالم، فالكثيرات تقبعن في بيوتهن خوفاً من الخروج والتعرض للعنف، لذا فإتاحة مزيد من إجراءات الحماية لهن يساعد في تحقيق استقلالهن اقتصادياً.
أسماء فتحي
القاهرة ـ اتفاقية 190 التي أصدرتها منظمة العمل الدولية مؤخراً كأحد آليات ضمان الحماية في عالم العمل لاقت قبول واسع على صعيد المجتمع المدني وجميع المهتمين بقضايا العمل والنساء، لما لها من تأثير مباشر على الواقع التشريعي والتنفيذي في حال التصديق عليها ومن ثم الالتزام ببنودها.
لأن الواقع المحلي المصري شابه الكثير من الأحداث مؤخراً حول ما تتعرض له النساء في بيئة العمل خاصةً مع موجة الكلام الأخيرة المتعلقة بالتحرش والاعتداءات الجنسية بل والعنف بمختلف أنواعه، التي كشفت حجم الآلام التي تحملتها النساء في صمت لعدم وجود ضمانات تحميهن في حال الشكوى أو التبليغ، وراحت الكثير من القضايا أدراج الرياح لخوف الشهود من الإدلاء بما لديهم من معلومات نتيجة للسبب ذاته.
وتم العمل مؤخراً على الاتفاقية 190 والتوعية بتأثيرها المباشر على العاملين بشكل عام والنساء لاعتبارهن الأكثر تعرضاً للانتهاكات بشكل خاص، وللتعرف على مزيد من المعلومات حول الاتفاقية وسبب الحرص على التصديق عليها مع وجود قوانين محلية عديدة وما رافق ذلك من جدل كان لوكالتنا مع الإدارية في برنامج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء بمؤسسة المرأة الجديدة مي صالح الحوار التالي.
ما مضمون اتفاقية 190 وما سبب تركيزها على مصطلح عالم العمل والاهتمام بوضع النساء فيها على وجه التحديد؟
تضمنت الاتفاقية مصطلح "عالم العمل" لأنه يحمل في طياته كل ما يتصل بسوق العمل من مواصلات وأماكن راحة وقاعات مؤتمرات وغيرها وهذا أمر يزيد من إجراءات الحماية.
ومسألة التركيز على النساء تعود لحجم الضغوط التي تمارس عليهن، فالعنف الذي تتعرض له للنساء داخل نطاق العمل بالأساس يهدف للوصول بهن لترك عملهن والبحث عن آخر ويعطل قدرتهن على العمل الجيد والابتكار والتطور فضلاً عن تقليل فرصهن في الترقي والتدريبات والتراكم في العمل، لذلك فالعمل على حمايتهن يعزز أكثر من فرصهن وتأثيرهن في سوق العمل.
ووجود إطار تشريعي للنساء يعزز من حمايتهن ويزيد من حجم وجودهن في سوق العمل الذي يقل عن الـ 25%، فضلاً عن تعزيز قدراتهن وعطائهن المتأثر بالمناخ الآمن والذي يحتوي على ضوابط وشروط أفضل وأكثر استقراراً.
ما أهمية التوقيع على اتفاقية 190؟
النسخة القديمة من قانون العمل المصري الصادرة عام 2003 والأخرى التي تمت مناقشتها حالياً في مجلس النواب، تخلو من وجود مادة تتحدث عن الحماية من العنف.
ونتيجة غياب ضمانات الحماية في حالات الشكاوى والإبلاغ لا تمتلك الكثير من النساء القدرة على المجازفة والبوح بما تتعرضن له من انتهاكات خاصة إن كانت تتعلق بالتحرش من قبل شخص ذو سلطة عليها، وكذلك الشهود الذين قد يتعرضون لخسارة عملهم نتيجة غياب ضمانات الحماية أيضاً.
وهناك الكثير من الأمور غائبة تماماً عن قانون العمل الذي اكتفى بالحديث عن الصحة والسلامة المهنية علماً بأن المفتشين يقتصر دورهم على البحث عن الإجراءات الأساسية المتعلقة باللباس والشكل الخارجي لضوابط السلامة، دون النظر مثلاً لوجود الكاميرات أو المكاتب الزجاجية المفتوحة وغيرها من الأمور وهو ما نطالب بوجوده.
وسبق وناقشنا مادة قانون العمل وطالبنا مراراً بوجود مادة تتعلق بالحماية من العنف في أماكن العمل وكذلك إعطاء مزيد من الصلاحيات لمفتشي الصحة والسلامة المهنية ليستطيعوا أيضاً التبليغ والمواجهة عن تلك الممارسات المخالفة ولم يأخذ ذلك بجدية من المشرعين والنواب وحتى الآن لم يحدث أي تعديل على الأمر.
ويعد غياب تلك الأمور من كل القوانين الوطنية هو دافع منظمة العمل الدولية لإصدار اتفاقية 190 كي تحتوي على إجراءات الحماية الغير متضمنة وبعد التصديق عليها ستضطر البلدان من تعديل تشريعاتها بما يتلاءم مع التزاماتها الدولية الجديدة.
قد لا يكون التشريع هو المعالج لأزمات النساء في عالم العمل، فما الضوابط اللازمة من أجل ضمان الحماية الشاملة لهن في سوق العمل؟
التشريع بدون تغيير النمط الثقافي الموجود وتطبيق حاسم له سيظل حبراً على ورق، لذلك يجب العمل على مستوى النقابات وبرامج المسؤولية المجتمعية في الشركات لإقرار مزيد من الالتزامات الداخلية التي تهدف لحماية فريق العمل وإتاحة تكافؤ الفرص فيما بينهم فضلاً عن حمايتهم من العنف.
ولابد من تغيير الثقافة الرجعية ضد النساء ووقف التمييز في الترقي والأجور وفرص التدريب والعمل وغيرها من الأمور التي يجب محوها أولاً لضمان مزيد من الحماية والعدالة في أماكن العمل.
ويتطلب الأمر أيضاً تفعيل لدور النقابات كي تكون صوت داعم ومساند للنساء، فضلاً عن حماية العمالة غير المنتظمة باعتبار ذلك القطاع الأكثر جذباً للنساء ويحوي عدد كبير منهن والأكثر احتياجاً لأدوات حماية وإجراءات تضمن عدم التنكيل بالعاملات فيه ودعمهن في مواجهة مختلف أشكال العنف الممارس تحت مظلته.
كما أن لوحدات تكافؤ الفرص داخل الوزارات وأماكن العمل دور هام في الاستفادة من بنود الاتفاقية والعمل على التصديق عليها، ومن ثم تطبيقها باعتبار ذلك مسؤولية مشتركة لجميع أطراف المجتمع من وزارات وهيئات ومجالس قومية وقطاع خاص.
لماذا لم تصادق مصر على اتفاقية 190 إلى الآن؟
في الواقع الاتفاقية لم يصادق عليها سوى 11 بلد فقط على مستوى العالم حتى الأن، وهناك العديد من البلدان لا ترى أن العنف في العمل إشكالية تقف عائقاً أمام العاملات كما أن هناك أولويات لدى الحكومات المختلفة بسن قوانين محلية أو التصديق على اتفاقيات دولية.
إلا أن مصر لديها رؤية ترتبط بعام 2030 يتم العمل عليها، وكذلك لديها أجندة التنمية المستدامة حول العمل اللائق والنمو الاقتصادي والمساواة بين الجنسين ولتحقيق تلك الرؤية يجب العمل على التصديق.
وقد يكون عمل الحكومة الآن مرتبط بالأولويات وتعطي أهمية لقانون الأحوال الشخصية في التشريع الحالي على سبيل المثال، كما أن التصديق على الاتفاقيات الدولية لا يحدث بين عشية وضحاها فالأمر يحتاج سنوات من المناقشات الداخلية والدبلوماسية حتى يتم خاصة إن كانت ترتبط بالحياة اليومية للمواطنين، وهو أمر يحتاج جهد أكبر من المجتمع الدولي في تشجيع وتحفيز الحكومة ونشر الوعي ببنود الاتفاقية وأهميتها في إتاحة سبل العمل اللائق.
كما أن دخول الاتفاقية حيز التنفيذ سيتبعه اجراءات جديدة على مستوى التشريع والتطبيق ذاته كوجود كاميرات مراقبة وسياسات حماية وأدوار أخرى على مفتشي الصحة والسلامة المهنية وكلها أمور تحتاج لوقت في التفكير وترتيب بالوفاء بتلك الالتزامات أولاً قبل التصديق لضمان خطوات موثوقة ومستقرة.
ما هي الخطط المستقبلية للتصديق على الاتفاقية؟
الاتفاقية تتضمن عدد من البنود الهامة ومنها الحماية من العنف في القطاع المنظم والغير ذلك، وضمانات الحماية من التنكيل بالشهود والمبلغات، وتعزيز دور النقابات في الدفاع عن حقوق منتسبيها ومن ضمنهم النساء المعرضات للعنف، وضرورة التدريب والتثقيف والتوعية بفكرة الحماية من العنف وانعكاساتها على سوق العمل.
كما تضمنت الاتفاقية مجموعة من التعريفات الهامة ومنها التحرش والعنف في عالم العمل والضرر النفسي والجنسي والاقتصادي الناتج عنهم ووضوح تلك التعريفات ودقتها له أهمية كبيرة في التنفيذ الذي سيعقب التصديق مستقبلاً.
أما عن خطة عملنا فقد قمنا بمجموعة تدريبات مع عدد من الجهات المعنية والنقابات والمهتمين، وأجرينا نقاشات ولقاءات حوارية مع جهات معنية حول الاتفاقية، فضلاً عن الحملات الإلكترونية التي تستهدف التعريف ببنود الاتفاقية، ولدينا عريضة إلكترونية للتوقيع عليها وفيديوهات تعريفية بالاتفاقية وأهمية التصديق عليها.
ونعمل خلال الفترة القادمة على إصدار ورقة بحثية حول الاتفاقية وأهميتها في التشريع الوطني وانعكاسها عليه، ولدينا استعداد للتنسيق مع عدد كبير من الأطراف المعنية باعتبار أن هذا العمل تشاركي يحتاج لتكاتف عدد كبير من المجموعات.
كما أجرينا تدريب للإعلاميين خاص بالعنف المبني على النوع الاجتماعي ووضع خطط تحفيزية من أجل التصديق على الاتفاقية، وحريصين أيضاً على عقد لقاءات ونقاشات حوارية مع البرلمانيين بشأنها مستقبلاً.