الإجحاف بحق المرأة يطال الأجر في لبنان... فهل يضع القانون حداً للتمييز؟

لم تحصل المرأة في لبنان على كامل حقوقها، لا بل لا تزال تعاني من الإجحاف والانتقاص من حقوقها، ومن هذه الحقوق المسلوبة المساواة في الأجر بين الجنسين

كارولين بزي
بيروت ـ . منذ أيام أعلنت إحدى البلديات اللبنانية عن حاجتها لنساء ورجال بهدف العمل في مجال الزراعة، وحددت ساعات العمل بالتساوي بين الرجال والنساء، ولكن البلدية ارتأت بموضوع الأجر أن تمارس العقلية الذكورية، إذ حددت للمرأة مبلغ 60 ألف ليرة لبنانية بينما للرجل 80 ألف ليرة لبنانية.
 
"القانون لم يضع حداً للتمييز ونحاول إلغاء الاستثناء"
عن الحادثة المذكورة آنفاً والاجحاف بحق المرأة فيما يتعلق بالأجور والرواتب ولاسيما في المجال الزراعي، تقول رئيسة جمعية وردة بطرس ماري ناصيف الدبس لوكالتنا "قضية الأجر المتساوي للعمل المتساوي بدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر ولا تزال مستمرة، فجمعيتنا والتي تحمل اسم وردة بطرس كانت من جملة مطالبها الحصول على الأجر المتساوي على العمل المتساوي".
وتتابع "عدم المساواة بالأجور لا يزال سارياً لغاية اليوم، علماً أن المادة 28 من قانون العمل التي ساهمنا بتعديلها عام 2000 بعد سلسلة تحركات وتظاهرات قمنا بها، وقدمنا حينها مشروع قانون تبناه عشرة نواب وقدموه حينها لمجلس النواب".
وتنص المادة 28 من قانون العمل اللبناني، بما معناه أنه يُمنع على صاحب العمل أن يميّز بين الرجل والمرأة إن كان بالنسبة للأجر أو الرتبة أو الترقية أو التعويضات أو ساعات العمل وحتى اللباس الموحد.
إلا أنه هناك ثغرة لم تستطع الجمعية سدها بعد كما تقول ماري الدبس "هناك ثغرة في قانون العمل اللبناني، والتي تتمثل في المادة 7 من قانون العمل والتي تنص على أنه يُستثنى من قانون العمل، العاملون في الخدمة المنزلية والمزارعون وصيادو الأسماك... أي أن قانون العمل تحول فقط لقطاعات الصناعة والسياحة والتجارة واستثنى الزراعة علماً أن نحو 30% من سكان لبنان يعيشون مباشرةً من الزراعة وهناك قسم كبير منهم يعيشون بطريقة غير مباشرة من هذا القطاع إذ تؤمن لهم الزراعة جزءاً من مدخولهم"، مشيرةً إلى أن الجمعية تعمل على سد هذه الثغرة من خلال تحركاتهم لهذا العام من أجل إقرار اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190.
وتنص اتفاقية العمل (190) التي تبنتها منظمة العمل الدولية خلال عقد دورتها الـ 108 في مدينة جنيف السويسرية المصادفة لذكراها السنوية المائة، من 10 حتى 21 حزيران/يونيو 2019، على القضاء على العنف والتحرش في أماكن العمل والتأكيد على الحق بعالم خالٍ منهما، وهي أول اتفاقية تتعامل مع العنف والتحرش في العمل، وأهم الاتفاقيات التي تفيد كافة أفراد المجتمع، لمخاطبتها فئة النساء والرجال، كما وتساهم في القضاء على الظاهرتين وخلق بيئات عمل آمنة لهم.
والاتفاقية (190) المعززة بالتوصية رقم (206) فيما يخص إنهاء العنف والتحرش في عالم العمل لعام 2019، معيار ملزم قانونياً للعاملين، يتعامل مع قضية العنف في العمل ويعترف بالعنف المبني على نوع الجنس.
وتضيف ماري الدبس "يستفيد أصحاب الأراضي الزراعية من هذا الاستثناء، أولاً يستغلون حاجة الناس للعمل في ظل إقفال العديد من المصانع ودور الترفيه والتسلية وتوجه الكثير من العمال إلى الزراعة. بالإضافة إلى ذلك هم يعتبرون أن دور المرأة هو دور مساعد للرجل لا أساسي، لذلك لا يعطون المرأة أجراً مساوياً للرجل لأن الأخير من وجهة نظرهم هو رب الأسرة علماً أن عدداً من الرجال الذين يعملون في مجال الزراعة اعترفوا بأن المرأة تبذل الجهد نفسه الذي يبذله الرجل في هذا المجال"، وتتابع "نعتبر أن هذا الأمر مجحف بحق المرأة العاملة في قطاع الزراعة ونطالب بتعديل المادة 7 من قانون العمل وإلغاء الاستثناء، إذ لا يمكن استثناء أحد من قانون العمل".
إلى جانب قانون العمل هناك قانون الموظفين وهناك استثناءات في هذين القانونين، بالإضافة إلى مسألة المزارعات، حتى في العمل الصناعي لا يطبق القانون، أي أن المادة 28 التي تم تعديلها بقيت حبراً على ورق.
ورداً على سؤال حول السبب الذي يدفع المرأة إلى الموافقة على أجر أقل من راتب الرجل علماً أنها تبذل المجهود نفسه، تقول ماري الدبس "المرأة توافق لسبب أساسي وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي نمر بها، لأنها بحاجة للعمل ولأجر معين لكي تستطيع مع زوجها إن كان يعمل أن تؤمن حاجات أسرتها، وبالتالي هي مستعدة للتضحية بكل شيء لكي تؤمن قوت عائلتها". 
فيما يتعلق بملاحقة أصحاب العمل المتقاعسين عن تطبيق قانون العمل، تقول "يعود لوزارة العمل واجب ملاحقة أرباب العمل في حال تقاعسوا عن تطبيق القانون"، وتضيف "جمعنا لقاء مع وزيرة العمل السابقة لميا يمين في تموز/يوليو الماضي، وطرحنا خلاله مسألة وجوب ملاحقة وزارة العمل للمؤسسات التي لا تطبق القانون، وضرورة أن يشمل القانون القطاع الزراعي الذي يشكّل مصدر رزق لنحو ثلث سكان لبنان، إذ لا يمكننا أن نستمر بالتفكير بأن عمل المرأة هو مكمل لعمل الرجل، المرأة عملها متساوي مع الرجل خارج المنزل، علماً أنه على الصعيد الداخلي أي في المنزل أُجريت دراسة في أوروبا مؤخراً تشير إلى أنه يجب أن تحصل المرأة على الأجر الأعلى نظراً للمجهود الذي تبذله داخل وخارج المنزل إذ يقع على عاتقها مهام متعددة".
 
 
 
"نحو 65% من النساء عاطلات عن العمل"
وأكدت ماري الدبس أن أرباب العمل أكثر المستفيدين من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد فيما يتعلق بأجور النساء والرجال على حد سواء، ولكن فيما يتعلق بالنساء بنسبة أكبر، "كشفت العديد من الدراسات التي أجريت هذه العام أن نحو 65% من النساء عاطلات عن العمل، لذلك إذا وافقت المرأة على الأجر المتواضع، فهذا لا يعني أننا يجب أن نسكت عن ذلك بل علينا أن نتحرك ونستمر بمعركتنا التي نخوضها من أجل إلغاء الاستثناء وتطبيق الاتفاقية الدولية 190 وعلينا أن نتكاتف لنصل في النهاية إلى نتيجة". 
وأشارت إلى أن هناك بعض النقابات في مجالات الصناعة والتجارة تتحرك فعلياً من أجل حقوق العمال بينما على الصعيد الزراعي لا يوجد نقابة فعالة على أرض الواقع، بل تحركات خجولة من قبل بعض اللجان، وتعتبر أن للمرأة دور أساسي في تغيير العقلية الذكورية إن كان على صعيد التربية المنزلية أو في التعليم وفي الإعلام.
 
"المرأة ليست أدنى مرتبة من الرجل"
تعتبر المشرفة الإدارية شريهان الليثي أنه من الغير المنطقي أن يقبل شخص ما بأجر أقل من غيره إن كان يقوم بالمجهود نفسه الذي يقوم به زميله، لأن هذا الأمر غير منصف ليس بحق المرأة فحسب بل بحق أي إنسان، وتضيف "من المفترض أن أتقاضى أجراً وفقاً للعمل الذي أقدمه والجهد الذي أبذله، وفقاً للمستوى العلمي لا أن يكون التقييم وفقاً للجنس، رجل أو امرأة". 
وتتابع "أعتقد أن العقلية الذكورية التي تسيطر على مجتمعاتنا هي السبب في تحديد أجر المرأة بأقل من أجر الرجل، ولكن لا يمكننا أن ننكر أن هناك تطوراً لدى بعض الرجال الذين يطالبون بحقوق المرأة وأصبحوا يعترفون بدور المرأة، ولكن لا تزال العقلية الذكورية طاغية وتؤثر بشكل سلبي في الكثير من الأماكن على المرأة".
وتضيف "ثمة فئة من النساء تقبل بأجر أقل من الرجل لأنها تعتبر أنه من الطبيعي أن تحصل على أجر متواضع مقارنةً بالرجل، ولكن هذا الأمر غير صحيح والمرأة ليست في مرتبة أدنى من الرجل والرجل لا يتفوق على المرأة بشيء ولا هي تتفوق عليه أيضاً، بل هما متساويان، الأمر مرتبط بالعمل والجهد والمستوى العلمي للمرأة، ولكي تكون المجتمعات متوازية راقية ومتكاملة لا يجب أن نتحدث فيها عن المنافسة بين الرجل والمرأة بل بإمكانهما أن يكونا متكاملين".
 
 
 
"هناك حالات ربما أقبل فيها براتب أقل من الرجل"
لا ترفض مديرة مكتب سفريات زينة يحيى، أن تتقاضى أجراً أقل من الرجل في حال كان يستحق، وتقول "أقبل أن أتقاضى راتباً أقل من الرجل في حال امتلك خبرة ومستوى علمي وثقافي أعلى مني، فهذا من حقه، أما في حال كان التقييم على أساس أنه رجل وأنا امرأة ونحن في مستوى فكري وثقافي وعلمي نفسه فلن أقبل، فإما أن أتقاضى أجراً مساوياً لأجره أو ربما أعلى في حال كنت أستحق". 
وتضيف "أعتقد أنه نتيجة الظروف الصعبة يمكن للمرأة أن تقبل بأجر أقل من أجر الرجل ولو بذلت المجهود نفسه".
وتعليقاً على قرار إحدى البلديات اللبنانية التي حددت أجر المرأة بستين ألف ليرة لبنانية بينما أجر الرجل بثمانين ألف ليرة، تقول زينة يحيى "يبدو أن هؤلاء لا يزالون يعيشون في عصر الجاهلية ويعتقدون أن الرجل هو رب الأسرة وهو الذي ينفق على أسرته ولذلك يجب أن يكون أجره أعلى، ويغيب عن بالهم أن العديد من النساء اليوم ينفقن على أسرهن مثل الرجل تماماً".