تقرير: التونسيون يعانون من واقع بيئي مترد
أكد منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تقريره، على أن التونسيون يعانون من واقع بيئي مترد، مشيراً إلى أن حجم التلوث يزداد عاماً بعد عام ما ينذر بحدوث كوارث.
نزيهة بوسعيدي
تونس ـ كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن انتهاكات بالجملة في تقريره حول الواقع البيئي في تونس خاصةً في مجال التصرف في النفايات وفقدان المياه.
تحت عنوان "أي واقع بيئي في تونس اليوم؟ الحقوق البيئية بين الانتهاكات والنضالات اليومية"، صدر تقرير قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ويعد التقرير عصارة التجربة الميدانية في مناصرة الحركات البيئية لفريق عمل قسم العدالة البيئية في المركز والجهات، حيث يقدم التقرير أهم الحملات والأعمال التي قام بها خلال سنة كاملة من المناصرة لأصحاب الحقوق.
ويضع التقرير سياسات الدول وممارساتها موضع تساؤل ونقاش، ويسلط الضوء على وضعية حقوق الإنسان البيئية في تونس ومدى احترام البلاد لالتزاماتها.
وحول التقرير تقول عضو في قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رحاب المبروكي أنه تم العمل على التقرير لمدة سنة في إطار نقد الوضع البيئي ومناصرة القضايا البيئة ومدى تعاطي البلاد معها والتزامها بالقوانين الوطنية والدولية ودور المجتمع المدني في ترسيخ الحقوق البيئية ودورها في حث البلد على احترام القوانين.
وذكرت أن التقرير اهتم بالإشكاليات البيئية والنفايات والتلوث البحري والصناعي الذي تتسبب فيه الوحدات الصناعية، لافتةً إلى أنه اهتم بكشف الهوة بين التشريع والواقع خاصة تفعيل القوانين الحامية للبيئة.
وأوضحت أن التقرير ركز على مبدأ التقاضي البيئي كاستراتيجية وقع تبنيها منذ عام 2020، بالإضافة إلى تسليط الضوء على أشكال الاحتجاجات التي خاضها المواطنون.
ولفتت إلى أن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يعمل دائماً على الضغط على البلاد، وكشف التجاوزات البيئية، ونشر الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة بين التونسيين لأداء واجبهم تجاه البيئة تماماً كما المطالبة بحقوقه.
وأشارت إلى أن المنتدى وقع على اتفاقية شراكة مع وزارة التربية لتأسيس نوادي بيئية مدرسية في العاصمة ومحافظات المنستير والقيروان وقفصة.
ودعا التقرير إلى تغيير السياسات البيئية المغلوطة ووضع الحق في بيئة سليمة على رأس جميع الحقوق، وطالب السلطات باتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل وضع حد للتلوث الذي أصبح في كل مكان، كما أوضحت رحاب المبروكي.
وأكدت على أن الوضع البيئي في تونس "كارثي بامتياز"، حيث كشفت الأرقام أن 300 ألف شخص في تونس يعانون من قلة المياه.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن التونسيون يعانون من واقع بيئي مترد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، معتبراً أن انحرام المنظومة البيئية السمة المشتركة لكل جهات البلاد لاسيما في السنوات الأخيرة التي ازداد فيها حجم الاعتداءات على المحيط وهو ما جعل العديد من نشطاء الحركات البيئية والقوى الحية تدق ناقوس الخطر لأن الوضع لم يعد يحتمل وأصبح ينذر بحدوث كوارث جراء حجم التلوث الذي يزداد عاماً بعد عام.
ووفقاً للتقرير فقد شمل التلوث المناطق الساحلية بسبب عدم احترام المؤسسات الصناعية للمعايير البيئية والتي تسبب تدمير كلي للمنظومة الإيكولوجية جراء إلقاء الملايين من الأطنان من مادة الفوسفوجيبس لتتحول هذه المناطق إلى مناطق منكوبة غير قابلة للحياة.
ولفت إلى أنه ففي خليج المنستير على سبيل المثال تتمثل المشكلة أساساً في تأثيرات معامل الجينز التي تقوم بإلقاء كميات كبيرة من المياه الصناعية والتي تحتوي على مواد كيميائية ملوثة في الخليج مما أدى إلى نفوق الأسماك وانتشار الروائح الكريهة، وكذلك الحال في الضاحية الجنوبية للبلاد التي تلوثت شواطئها ولم تعد صالحة للسباحة إضافة إلى الروائح العفنة التي تنبعث منها جراء ربطها بقنوات الصرف الصحي منذ سنوات عديدة.
وفي المناطق الداخلية لاسيما تلك التي تحتوي على ثروات باطنية فإن الإشكاليات البيئية تزداد حدة مثل منطقة الحوض المنجمي حيث يتركز قطبا الصناعة الاستخراجية أي شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي التونسي واللتان تسببتا منذ تأسيسهما في ارتفاع معدلات التلوث بشتى أنواعه، بالإضافة إلى الاعتداء على المخزون العقاري للأهالي ليحرموا بذلك من حلم امتلاك عقار بصفة قانونية باستثناء بعض الحالات النادرة في بعض المدن المنجمية، كما أوضح التقرير السنوي.
وبالإضافة إلى هذه الأصناف من التلوث تعاني جل المدن وفقاً للتقرير من إشكالية التصرف في الفضلات المنزلية والصناعية، وحتى مصبات المراقبة التي تأسست منذ سنوات فاقمت الوضع وأصبحت بدورها جزءاً منها.
وتعود هذه الإشكاليات بالأساس إلى غياب استراتيجية واضحة للتصرف في النفايات، كما أن المنوال التنموي لا يجعل من النفايات والتصرف فيها مصدراً للثروة ودافعاً مهماً لعجلة التشغيل والاستثمار بشقيه العام والخاص. وتعاني جزيرة جربة نفس الإشكاليات، حتى أنها أصبحت "مطمورة النفايات"، وفق التقرير.
كما تعتبر مشكلة الانقطاع المتواصل للماء الصالح للشرب حسب التقرير معضلة حقيقية أصبحت تلقي بظلالها على حياة المواطنين، ولا تقتصر هذه الانقطاعات على المناطق الداخلية فحسب بل شملت في السنوات الأخيرة المدن الساحلية وتونس الكبرى وهو مؤشر خطير خاصة إذا علمنا أن تونس تعتبر من البلدان الفقيرة مائياً والذي ستزداد حدته خلال السنوات القادمة، لاسيما في ظل التغيرات المناخية التي من أحد تجلياتها ارتفاع درجات الحرارة وبلوغها أرقاماً قياسية وطول مواسم الجفاف وعدم انتظام موسم التساقطات وهي كلها عوامل ستزيد من تعميق أزمة العطش.
وأكد التقرير على تعثر الإطار المؤسساتي في احتواء أزمة النفايات إذ تخضع عملية التصرف في النفايات في تونس إلى ترسانة قانونية هامة تعكس الاهتمام الحكومي بترسيخ الحق في بيئة سليمة باعتباره حقا دستورياً وإنسانياً في آن واحد.
ورغم ما حققته تونس من اعتراف بقيمة هذا الحق في مجالها التشريعي، فإن التعاطي المؤسساتي مع القضايا البيئية بشكل عام وملف النفايات بشكل خاص بقي منقوصاً، نتيجة انعدام القدرة على وضع استراتيجيات عملية تراعي حقوق الإنسان وخاصة حق المواطنين في بيئة سليمة، وذلك عبر إتباع خيارات بيئية مغلوطة، حيث تغيب بشكل كلي خطط تثمين النفايات وإعادة تدويرها، إضافة إلى عدم اتباع أنشطة هادفة إلى استخراج المواد القابلة لإعادة الاستعمال من أجل استخدامها كمصدر للطاقة، بالإضافة إلى غياب الحوافز للمؤسسات الصناعية وتشجيعها على الحد من إنتاج النفايات الضارة وصنع وتوزيع المنتجات التي لا تحمل أضراراً كبيرة على البيئة، وكذلك ضعف تطبيق الرقابة على المصبات من أجل وضع حد لعمليات الحرق العشوائي بها والذي يتسبب في انتشار أمراض عدة.
وأشار التقرير إلى ضرورة تناول مسألة البيئة والتعمق في فهمها وتفكيكها وقراءة أبعادها وتداعيات انتهاكها، لافتاً إلى أنه لا يعني بالضرورة تناولها من زاوية علمية تقنية جافة وبعين عالِم الأرض والإحياء أو عالِم الاقتصاد فقط، وإنما من الضروري تناولها من الجانب السوسيولوجي.
وبحسب التقرير تبين أن كل انتهاك في حق البيئة هو انتهاك في حق الإنسان ويؤثر بشكل مباشر في علاقاته وانفعالاته وممارساته، أي أن البيئة أصبحت مقياساً لفهم وقراءة المجتمعات وتفكيك الظواهر البارزة فيها والمساهمة أحياناً في تطورها كالعنف والانتحار والهجرة الداخلية والخارجية والبطالة وغيرها من الظواهر.
واعتبر التقرير السنوي أن البعد البيئي أحد أهم أبعاد التنمية المستدامة لا يقل أهمية عن البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي، بمعنى أن تحقيق تنمية مستدامة بحيث "تستجيب لحاجيات الحاضر دون أن تعرض للخطر قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها"، لا يمكن إلا من خلال العمل على تقليص آثار الأنشطة الاقتصادية المضرة بالبيئة واعتماد المصادر النظيفة والمتجددة لإنتاج الطاقة وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية والمحافظة عليها، بالإضافة إلى اعتماد البحث العلمي والتطور التكنولوجي في كل ما من شأنه أن يحقق استدامة الموارد وصمودها أمام المتغيرات وتنمية المجتمعات الفقيرة والفئات الهشة وتشريكها في رسم الخطط والسياسات وتوفير حماية اجتماعية ومستوى عيش كريم لكل أفراد المجتمع.