ندرة المياه تفاقم معاناة القرويات في المغرب

يخيم شبح ندرة ماء الشرب على عدد من المناطق النائية في المغرب، وسط مخاوف من أن تشمل الأزمة كذلك المناطق الحضرية، وذلك بعد موجة جفاف تمر بها البلاد خلال الموسم الحالي، والذي يعد الأسوأ منذ نحو أربعين عام.

حنان حارت

المغرب ـ تواجه النساء في المناطق النائية مصاعب جمة نتيجة الظروف المناخية المتقلبة وشح المياه، لكونهن يتكبدن عناءً كبيراً خلال عملية جلب المياه من السقايات التي تبعد عشرات الكيلومترات عن المنازل، فكيف يمكن تجاوز هذه الأزمة التي تعمق من معاناة النساء القرويات في المغرب؟ 

على بعد حوالي 150 كلم من مدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية، توجد قرية الدريهمات بالقرب من أولاد سيدي عيسى التي تنتمي لإقليم الجديدة.

في هذه القرية التي لا يختلف فيها الوضع كثيراً عن باقي المناطق النائية في المغرب، تعتمد الأسر على النساء لتوفير مياه الشرب والاستخدام المنزلي من الآبار التي قد تبعد مئات الأمتار عن بيوتهن، ومع زيادة الطلب على المياه خلال الجائحة ازدادت معاناتهن.

 

مبادرة مدنية لحفر بئر

ومن أجل تسهيل وصول نساء هذه المنطقة لماء الشرب، عملت جمعية اتحاد المرأة المغربية على حفر وتجهيز بئر، من أجل تغطية احتياجات هذه القرية من المياه.

مبادرة قد تبدو بسيطة، لكنها أدخلت الفرحة لقلوب أهالي هذه المنطقة، تقول الناشطة الحقوقية ورئيسة جمعية اتحاد المرأة المغربية خديجة أهليل "أعضاء الجمعية لمسوا عن قرب معاناة سكان قرية الدريهمات بالقرب من أولاد سيدي عيسى بسبب قلة المياه، الذي لديه انعكاسات تهدد حياتهم اليومية، فبادروا إلى فتح فرع هناك مع تفشي جائحة كورونا، من أجل الوقوف على معاناة النساء في هذه القرية".

وأضافت "لقد لامسنا معاناة حقيقية تتكبدها النساء خلال رحلة الحصول على المياه، فانعدامها وصعوبة الوصول إليها يؤثر سلباً على النساء بسبب قطع عشرات الكيلومترات من أجل جلب المياه لأسرهم وماشيتهم، لهذا كان من الأوليات هو حفر بئر بالدوار".

وتطمح جمعية اتحاد المرأة المغربية من خلال مبادرتها إلى ترسيخ ثقافة العطاء والتضامن، وحث باقي الجمعيات للعمل بجانب الجهات المعنية ومساعدة الأهالي في المناطق النائية "توفير المياه يعد من بين أعظم الأعمال التطوعية، التي تعيد الحياة لآلاف السكان بالمناطق النائية، ومثل هذه الأعمال التطوعية التي يدشنها النسيج الجمعوي تساهم في إنهاء معاناة عدد كبير من الأسر خاصة النساء".

وأشارت إلى أنه رغم بساطة العملية، لكننا كجمعية نساهم وفق الإمكانيات المتاحة، من أجل إنقاذ عدد كبير من سكان المناطق النائية من العطش "القرويات في مختلف المناطق النائية بالمغرب يعانين الهشاشة والفقر والعزلة بسبب غياب العدالة الاجتماعية، يمضين وقتاً طويلاً في البحث عن الطعام والماء، ويضطررن في غالب الأحيان إلى قضاء ساعات طوال من أجل جلب دلو أو دلوين أو خمس قنينات من فئة خمس لترات من المياه، والتي بالكاد الكميات تكفي ليوم واحد".

ولفتت إلى أن المرأة "تبقى أكبر متضرر من هذا الوضع الذي يزيد من معاناتها وإثقال كاهلها في تأدية الأدوار المنوطة بها اجتماعياً في ما يخص جلب المياه واستعمالاته المنزلية وأحياناً الفلاحية".

 

القرويات الأكثر تأثراً

وتعد الموارد المائية بالمغرب من بين أضعف الموارد في العالم، حيث يعتبر من بين البلدان التي تتوفر فيها أقل نسبة من المياه لكل نسمة، حسب بيانات رسمية لوزارة التجهيز والمياه، وتقدر الموارد المائية في المغرب بـ22 مليار متر مكعب في السنة.

وأوضحت الباحثة المختصة في الهندسة البيئية والتنمية المستدامة أميمة خليل الفن "القرويات أول من تعانين من أزمة المياه التي تعد من المواضيع المحورية لتحقيق التنمية وحقوق الإنسان، وحق العيش الكريم، لأنها تتكبد العناء خلال جلب المياه ومن حقها الحصول عليه دون تكبد عناء المسافات الطويلة".

ولفتت إلى أن أزمة المياه يعرفها العالم ككل وليس المغرب فقط، وذلك بسبب التغيرات المناخية، مشيرةً إلى أن المغرب اتخذ مجموعة من الإجراءات والتدابير التي تهم الثروة المائية، مثل سياسة السدود وإقرار مجموعة من القوانين الخاصة بالمياه، وتنفيذ أهداف الألفية الثالثة وأهداف التنمية المستدامة من خلال برنامج الربط القروي بمياه الشرب، إلا أن هذه التدابير أصبحت اليوم غير كفيلة لمواجهة الأزمة التي تعيشها البلد، ولم تتحقق العدالة الاجتماعية والمناخية خاصة لفائدة النساء، والدليل هو الوضعية الصعبة التي تعيشها النساء في المناطق النائية.

 

حلول لمواجهة الأزمة

قدرت الموارد المائية السطحية بكامل المغرب في المتوسط السنوي بـ 18 مليار متر مكعب، وتتراوح وفق السنوات من 5 مليارات متر مكعب إلى 50 مليار متر مكعب.

وتمثل المياه الجوفية حوالي 20% من الموارد المائية التي تتوفر في البلاد، ويبلغ حالياً مخزون المياه الجوفية المستفادة منها 4.2 مليارات متر مكعب في السنة.

ولحل الأزمة التي يعيشها المغرب ومن أجل التوزيع العادل للثروة المائية، قالت أميمة خليل الفن "يجب اتخاذ مجموعة من الخطوات الحاسمة للنهوض بهذه الثروة المائية؛ أولاً مراجعة المنظومة الزراعية التي يعيشها المغرب حيث أصبح يعتمد على زراعة تصديرية تتعلق بإنتاج منتوجات مستنزفة للثروة المائية بشكل كبير، وهذه الزراعات تأتي على حساب الزراعات الأخرى".

وشددت على ضرورة "إدراج البحث العلمي لحل أزمة المياه من أجل بلورة مقترحات للأزمة؛ فلدينا كفاءات شابة في مجال البحث العلمي يمكن الاستفادة من خبراتها في مجال الزراعة لضمان التوزيع العادل للمياه، وإيلاء الاهتمام بالإطار التشريعي سواء في مجال البيئة أو مجال المياه لضمان الأمن المائي والتوزيع العادل لهذه الثروة وتقنين استعمالها؛ مع العلم أننا نجد مناطق تعاني من الجفاف وندرة المياه، مقابل مناطق أخرى سكانها يستفيدون من هذه الثروة المائية".

كما يجب إدماج العالم القروي ضمن البرامج التنموية وبلورتها مع أهداف التنمية المستدامة، واعتماد عدالة مجالية في تنزيل البرامج والاستراتيجيات حتى يصل المياه إلى الفئات المستهدفة خاصة بالمناطق النائية لإنهاء معاناة النساء كما أوضحت أميمة خليل الفن.

ويشار إلى أن المغرب اعتمد حلولاً هيكلية لمواجهة أزمة ندرة الموارد المائية، من خلال إطلاق مشاريع تشمل تحويل المياه بين الأحواض، وإنجاز محطات لتحلية مياه البحر في عدد من المدن.

ووفق المذكرة التأطيرية لمشروع قانون مالية 2023، سيتم إطلاق مشاريع تتعلق بالخصوص بتحويل المياه بين أحواض سبو وأبي رقراق، وإنجاز محطات تحلية مياه البحر في عدد من المناطق.

كما أطلق المغرب حملة توعوية، ستمتد إلى نهاية آب/أغسطس، يهدف من خلالها دق ناقوس الخطر في مواجهة الجفاف، وكذلك رفع الوعي في صفوف المواطنين حول حساسية الوضع الحالي وترشيد استهلاك المياه.