من أسوأ الكوارث البيئية... طقس مُتقد وحرائقٌ تلتهم الغابات
يشهد العالم ارتفاع غير مسبوق لدرجات الحرارة منذ تموز/يوليو المنصرم، وعلى إثر هذا الارتفاع اللاهب لدرجات الحرارة تواجه سوريا ولبنان وتركيا حرائق التهمت مساحات شاسعة من غاباتها
مركز الأخبار ـ .
في واحدة من أسوأ الكوارث البيئية على الإطلاق، اجتاحت حرائق الغابات الضخمة مساحات شاسعة في عدد من البلدان المطلة على البحر المتوسط منها اليونان وتركيا وسوريا ولبنان التي تعاني من عدة أزمات متتالية ومتزامنة، والتي وصلت إلى الحدود السورية، مخلفة ضحايا وجرحى ونازحين، وخسائر مادية فادحة.
الغابات والأحراج اللبنانية والسورية عرضةً للحرائق سنوياً ولاسيما في هذه الفترة من فصل الصيف، ذلك وأن تشرين الأول/أكتوبر 2019 شهد حرائق ضخمة أتت على مساحات واسعة من الأشجار والمناطق الحرجية، حيث أنهم لم يتمكنوا من القضاء على الحرائق إلا بعد الاستعانة بطائرتين من قبرص للمساعدة في إخماد النيران.
لكن الظروف المناخية الغير اعتيادية والصيف اللاهب لهذا العام كانا سبباً في جعل الحرائق تلتهم الغابات، حيث نشبت الحرائق في الشمال اللبناني في 29 تموز/يوليو ممتدة إلى سوريا عبر الحدود باتجاه أطراف القرى الحدودية بريف حمص الجنوبي الغربي بالكامل، استمرت لثلاثة أيام وابتلعت مساحات شاسعة في مناطق متفرقة بالبلدين.
ويهدد تمددها حياة الآلاف من السكان وأراضٍ زراعية، وبحسب الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان فأن الحرائق خرجت عن السيطرة في منطقة جبل أكروم عند الحدود الشمالية الشرقية مع سوريا، إذ أن الحرائق زادت حدتها في محلة قرنة الديبة لتقترب من البساتين والحقول الزراعية، واضطر السكان لإخلاء منازلهم خشيةً من تغير اتجاه الرياح واندفاعها باتجاههم.
وإلى جانب الدفاع المدني اللبناني والمتطوعين شاركت أربع طائرات هليكوبتر تابعة للقوات الجوية ووحدات عسكرية لإخماد الحرائق.
كارثة بيئية تضع تركيا على لائحة الدول الأكثر تعرضاً للخسائر
في 28 تموز/يوليو اندلعت حرائق في 4 نقاط بغابات قضاء "مناوغات" بولاية أنطاكيا التركية، أودت بحياة 3 أشخاص وإصابة 62 آخرين، مخلفة أضراراً صحية للمتأثرين بالدخان الذين يتراوح عددهم من 122 إلى 138 شخصاً.
وسط موجة لاهبة اجتاحت معظم جنوب أوروبا، ومع اندلاع حرائق غابات في اليونان وجزيرة صقلية الإيطالية تأتي حرائق تركيا في مقدمة لائحة الدول المتضررة من هذه الكارثة البيئية، وحسبما أوضحته البيانات الرسمية وفقاً لما نقلته فرانس برس، فأن 95.000 هكتار من مساحة تركيا التهمتها النيران هذا العام، حيث أن تركيا تقف اليوم أمام أسوأ حرائق الغابات التي واجهتها منذ قرابة عقد.
ولم تقتصر الخسائر فقط على خسائر بيئية بل أنها أودت بحياة العديد من السكان القاطنين في تلك الغابات والأرياف من حولها، وأيضاً على الاقتصاد التركي، ذلك وأن الحرائق باغتت موسم سياحة تركيا في ذروته لهذا العام، حيث اجتاحت النيران منتجعاتٍ سياحية تركية تطل على البحر المتوسط وبحر إيجه، ما أدى إلى إخلائها من السياح.
وأمام اتساع رقعة الحريق ومناشدة السكان القرويين، أخلت السلطات عشرات القرى من سكانها وفندقاً في مدينة بودروم السياحية من نزلائه، وتعامل رجال الإطفاء مع حرائق الغابات في أجزاء أخرى من تركيا، بما في ذلك حرائق أغلقت مؤقتاً طريقاً سريعاً يصل بين مدينتي مرسين وأنطاليا بجنوب البلاد.
وقد شاركت 16 طائرة و51 هليكوبتر في إطفاء الحرائق على امتداد مساحة واسعة من جنوب غرب البلاد، حيث أرسل الاتحاد الأوروبي والدول المجاورة طائرات لمد يد العون في مكافحة الحرائق.
وحسبما أفادته صحيفة نيويورك تايمز فإن الحرائق في مناطق حول مدينة أنطاليا الجنوبية وأجزاء من ساحل الفيروز التركي تسببت بمقتل العديد من الأشخاص وتدمير المزارع وكيلومترات من غابات الصنوبر، وإخلاء القرى والبلدات والمنتجعات الواقعة تحت الخطر.
بحسب أرقام الاتحاد الأوروبي فإن تركيا تعرضت لـ 133 حريقاً في الغابات حتى الآن في العام 2021، وذلك مقارنة بمعدل 43 حريقاً خلال الفترة من 2008 إلى 2020.
هذا ويحذر الخبراء من أن التغير المناخي سيلحق ضرراً بتركيا إذ أنه بالإمكان أن يتسبب بالمزيد من الحرائق في حال لم يتم اتخاذ الإجراءات الضرورية للتصدي لهذه الكارثة.
إيطاليا واليونان وإسبانيا
وشهدت إيطاليا، قرابة 1000 حريق اندلع في ذات الوقت خلال الثمانية والأربعين ساعة الأخيرة، في مختلف المناطق الجنوبية الساحلية من البلاد، تمركزت في جزيرة صقلية وبوليا وكالابريا ولاتسيو وكاميانيا، ما دفع حاكم المنطقة إلى طلب المساعدة من روما.
وقامت السلطات الإيطالية بإجلاء مئات الأشخاص المحاصرين في مناطق الحرائق، التي أججها ارتفاع درجات الحرارة بعدما تجاوزت درجات الحرارة مستوى 40 درجة في منطقة باري يوليا.
وفي إسبانيا التي طاولها في منتصف تموز/يوليو الفائت حريق في محمية طبيعية على الساحل الكاتالوني بالقرب من الحدود الفرنسية الإسبانية، كان رجال الإطفاء يكافحون في نهاية الأسبوع حريقاً بالقرب من خزان سان خوان على بعد حوالي 70 كيلومتراً شرق مدريد.
أما الحرائق التي وصلت إلى غابات اليونان يوم السبت 31 تموز/يوليو الماضي، أدت لحدوث حالة استنفار بين قوات خفر السواحل والقوارب الخاصة وخدمات الإطفاء والجيش والقواعد العسكرية الأجنبية الموجودة في اليونان.
واندلعت حرائق اليونان في الغابات المحيطة بأكبر مدن البلاد، لكنها لسوء الحظ اصطحبت برياحٍ قوية، حملت لهب النيران إلى مسافات حتى 40 كيلومتراً من مركز اندلاعها، خاصة نحو الشواطئ الساحلية، فبعد 6 ساعات فحسب من اندلاعها، أدت الحرائق إلى إغلاق الطريق السريع بين العاصمة أثينا ومدينة باتراس، أكبر ثالث مدينة في البلاد، بعد أن أطاحت بقرابة 2000 هكتار من الأراضي.
واندلع ما يقارب من ستين حريقاً في غربي البلاد خلال الأربع وعشرين ساعة المنقضية، وتم إخلاء خمس قرى بالقرب من مدينة باتراس عاصمة مقاطعة غرب اليونان.
هذا ويرى العلماء أن موجات الحر هي علامة واضحة على ظاهرة الاحتباس الحراري، ومن المتوقع أن تتكرر موجات الحرارة هذه وأن تمتد وتشتد.