هناء الغول تفتتح تعاونية "البحر لنا" بغزة
على شاطئ بحر قطاع غزة تجذبك تلك الاستراحة التي تضم في مدخلها حاويتي نفايات معبأتان بالرمال ومزروعتان بأنواع مختلفة من الزهور البرية، لكن ما أن تتفقد الاستراحة من الداخل تجد أن جميع مقتنياتها من النفايات الصلبة المعاد تدويرها
رفيف اسليم
غزة ـ من قبل الشابة هناء الغول صاحبة مبادرة تعاونية البحر لنا الهادفة إلى المحافظة على شاطئ البحر وتعزيز ثقافة أن البحر ملك للمواطن فيجب أن يحافظ عليه.
"الفكرة لم تبدأ من هنا" بدأت هناء الغول حديثها لوكالتنا بتلك الجملة لتوضح لنا أن البداية انطلقت من شاطئ بحر الزوايدة في أحد محافظات قطاع غزة، لكن بنموذج مصغر عن الاستراحة الحالية، لافتة أن سبب بدئها من تلك المنطقة تحديداً هو نظافة المياه هناك على عكس شاطئ المدينة الذي يعد مكب للنفايات وقد يلاحظ الناظر إليه أيضاً مدى التلوث البيئي الذي يعاني منه خاصة الرمال التي يتركها السياح مليئة بمخلفاتهم.
ويعد ترعرع هناء الغول في مدينة الاسكندرية المصرية هو ما أوحى لها بتلك الفكرة، مضيفة أن عملها في المسرح وتقديمها للفكرة على شكل عرض مسرحي وليس نص جامد هو ما سهل من مهمتها في الحصول على التصاريح اللازمة لإنشاء المكان كما شجع الزوار أيضاً للحضور إلى التعاونية لأنها تخاطبهم بلغة الفن والحوار من خلال تقديم العديد من العروض المسلية.
هناء الغول الممثلة والمخرجة والكاتبة والمدربة والحكواتية لم تعرف اليأس يوماً فعند بدئها بتلك المبادرة كانت تعلم جيداً أن الأمر لن يكون سهلاً لكنها فضلت المحاولة والفشل على أن تبقى أفكارها حلماً حسب حديثها، مشيرة أن أولى خطواتها كانت تشكيل فريق ليساعدها بالعمل ثم توجهت بفكرتها لبلدية غزة طالبة منهم قطعة أرض صغيرة على الشاطئ وفتح مكب النفايات الصلبة التي لم تستطع البلدية التخلص منها بالشكل الصحيح لتعيد تدويرها.
تعتبر هناء الغول نفسها إنسانة محظوظة لأن فريقها متعدد المواهب فمنهم المغني والممثل ومتقن عروض الدمى المتحركة، وهم أيضاً حرفين ماهرين فلم تذهب لنجار أو لكهربائي أو مصمم ديكور مثلاً بل استطاعوا انجاز تلك الأمور بأنفسهم، لافتة أن الأخشاب والأسلاك وتوصيلات الكهرباء حصلت على موادها الخام من أكبر شركة انترنت بالقطاع وقد قبلت الشركة مساعدتها من منطلق المسؤولية الاجتماعية أمام المواطنين.
وتشير هناء الغول أنها مكثت وفريقها المكون من (54) شخص ثلاثة شهور تحت أشعة الشمس الحارقة لتصبح الاستراحة على شكلها الحالي اليوم، مشيرة أنها تلقت تمويل للبدء من قبل مركز القطان والوكالة السويسرية لتتمكن من صنع جلسة راقية تجذب المارة وتخلق لديهم الفضول لتفقد المكان تحت تلك العريشة المغطى سقفها من جذوع النخيل لتكون كل مقتنيات المكان طبيعية.
وتؤكد هناء الغول أن المكان مفتوح للجميع وبدون مال لكن بشرط وهو جلب مخلفات صلبة يحتويها منزل الشخص بدلاً من التخلص منها ورميها بالقمامة لتصبح عبئ، أو التطوع لتنظيف الشاطئ معها ومن ثم الجلوس وكذلك المؤسسات التي ترغب بأن تحل ضيفة بالمكان فلا تتلقى منهم ثمن الجلوس بل تكتفي بإحضارهم للدهان أو الشتلات أو بعض الأدوات البسيطة التي تلزم المكان، مشيرة أنها تربي كلب ودجاجة وتضع بقايا الطعام لهم كي لا يخرج المكان نفايات.
وتكمل أنها تقسم النفايات الأخرى لمجموعات زجاج، بلاستيك، ورق وتضعهم في ثلاثة صناديق لتعيد تدويرهم بشكل أو بآخر من خلال فريقها الذي تقلص ليصل إلى (15) شخص بسبب عدم قدرة المشروع في الحصول على تمويل مناسب ليتلقى أولئك الأشخاص ولو مبلغ صغير من المال، لافتة أن التعاونية حالياً أصبح لديها زوارها الذين يتوافدون إليها كمجموعات إما للقيام بالعمل التطوعي أو لحضور العروض المسرحية والغنائية التي تقدم بها.
وتضم التعاونية قاعتين كبيرتين مفتوحتين تطلان على شاطئ البحر ومكتبة، لتوضح هناء الغول لنا أن تلك المكتبة يترك الأصدقاء بها كتبهم ليستبدلوها أو يعقدون جلساتهم على الشاطئ مباشرة للحديث عن محتوى كتاب ما، مكملة أن تلك المكتبة تحتوي أيضاً على كتب للأطفال فتستطيع الأم جلب طفلها وقراءة كتاب له أو مشاهدة عرض مسرحي سابقاً في المسرح الذي تضرر إثر عدوان أيار/مايو 2021، على قطاع غزة لتقرر المجموعة إزالته واستحداث واحد جديد.
وتكمل هناء الغول حديثها بابتسامة فخر لتخبرنا أنها اليوم سعيدة بما وصلت إليه فجميع الأشخاص الذين سخروا منها في البداية يأتون ويطلبون منها أن ينضموا للمكان ويصبحوا من ضمن الفريق، مشيرة أنها استطاعت بالفعل تغير ثقافة الناس للأفضل فأصبحوا يشعرون أن المكان ملك لهم تجسيداً لشعار الحملة "البحر لنا" ويتعاملون معه على أنه بيتهم، وتلك الايجابية مدينة غزة بأمس الحاجة لها إثر تعرضها للخراب والتضيق المستمر من قبل "الاحتلال الإسرائيلي".
وأقامت هناء الغول عدة معارض في المكان منها ما ضم المنتجات التي تم تدويرها من النفايات الصلبة ومنها لوحات فنية قد أهداها بعض الفنانين للمكان كي تزين جدرانه الخشبية، لافتة أن تلك التقنيات الجديدة التي خلقتها بالمكان برفقة فريقها نالت إعجاب البلدية والجهات الأخرى خاصة أن التعاونية في كل يوم تقدم شيء جديد ثقافي اجتماعي وتربوي ليزرع قيم راسخة لدى الشباب في بناء وتطوير المجتمع.