داليا زخاري: يجب مراعاة النوع الاجتماعي لمواجهة التغيرات المناخية والنساء الأكثر تضرراً
يزداد واقع النساء سوءً يوماً تلو الآخر بفعل التغيرات المناخية، وهو الأمر الذي تصدر النقاشات خلال الفترة الأخيرة خاصة مع انتشار دعوات بأهمية عودة المرأة لصناعة جميع المنتجات في المنزل للتعامل مع نقص المعروض في السوق المحلي.
أسماء فتحي
القاهرة ـ التغيرات المناخية جعلت الكثيرين يبحثون عن حلول لها وانتابت مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة حالة من الردة للماضي وما كانت تقوم به النساء من إنتاج مختلف أصناف الغذاء في المنزل، وهو الأمر الذي طرح تساؤلاً حول أسباب دفع النساء لضريبة مختلف الأزمات والكوارث.
الباحثون عن الحلول لم يدركوا أن الكثير من الزراعات متضررة وأن الأمر خارج عن إرادة وقدرة النساء، بل قد لا يعون حجم الضرر عليهن سواء في الخدمات الصحية أو المنتجات الغذائية أو حتى على مستوى العمل وارتفاع معدل البطالة بفعل التأزم الاقتصادي المتأثر بالخلل المناخي.
ويمكن القول إن النساء عادة ما تدفعن ضريبة نوعهن الاجتماعي باعتبارهن العنصر الأضعف في المجتمع رفقة الأطفال، وإنهن تتأثرن سلباً بمختلف الأزمات، ولا يتم الاكتفاء بذلك بل أن المجتمع يطالبهن بحلول للأزمات والبحث عن البدائل والمخارج المتنوعة دون أن يتم إدراج النوع الاجتماعي في الخطط والأنشطة الموجهة للتعامل مع الأزمات المختلفة ومنها التغير المناخي وتأثيره الاقتصادي والاجتماعي بعيد المدى على الأفراد والدول.
حقيقة تأثر النساء بالتغيرات المناخية
أكدت المحامية داليا زخاري التي عملت لسنوات على ملف التنمية في عدد من المحافظات بالتعاون مع مؤسسات حقوق الإنسان المحلية والدولية كذلك، وأن التغيرات المناخية في العالم أثرت على الجميع، إلا أنها تسببت في أزمات اقتصادية ومجتمعية ضخمت من الأزمات الموجودة بالفعل، مشيرةً إلى أن جميع إحصائيات الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وبعض المنظمات المحلية أكدت بوضوح أن هناك فئات تأثرت أكثر من أخرى بالتغيرات المناخية، وذلك بسبب قلة فرص العمل وعدم القدرة على الوصول للخدمات الصحية، فضلاً عن كون النساء الأكثر عرضة لانتقال بعض الأمراض.
وعلى سبيل المقارنة قالت داليا زخاري، إن النساء الأكثر عرضة للأمراض خاصة خلال فترة الحمل لكونهن تصبحن في وضع صحي مختلف وأيضاً ارتفاع درجة حرارة جسدها المتعارف عليه كأحد أعراض الحمل مما يجعلها في مرمى حشرة "البعوضة" الأكثر شهرة في نشر مرض الملاريا مما يجعل نسبة إصابة النساء بهذا المرض أكبر من الرجال.
المزارعات والواقع الصعب
وأوضحت أن التأثر بالتغيرات المناخية بعضه فسيولوجي والآخر متأثر بالسلوكيات الموجودة في المجتمع بينما جانب منها له تأثير اقتصادي اجتماعي ترتب عليه فقدان عاملات الزراعة لعملهن نتيجة تضرر بعض المحاصيل واختفائها ومنها على سبيل المثال المانجا والزيتون في مصر والبن في مختلف أنحاء العالم.
وتعتبر نسبة العاملات هي الأعلى في القطاع الزراعي وبحسب الأمم المتحدة فإن نسبة العمالة المسيطرة في هذا القطاع يقدر بنحو 80% منهم نساء، ولا تتجاوز نسبة الحيازة والملكية بينهن الـ 10% تأثراً بالعد السلوكي والاجتماعي الذي لا يورث النساء الأراضي الزراعية كما أن ارتفاع معدل الفقر بينهن لا يجعلهن قادرات أيضاً على ملكيتها، مشيرةً إلى أن المرأة هي عمود العمل في القطاع الزراعي ولكنها لا تمتلك ما يحميها لمواجهة الأزمات التي قد تواجهها إذا ما حدثت أزمة كبرى كالتغيرات المناخية أو الأوبئة.
ربات المنازل وعبء البحث عن البدائل
انتشرت في الآونة الأخيرة الكثير من الدعوات التي تطالب النساء بالعودة للماضي والسير على خطى الجدات في توفير احتياجات المنزل وصناعة المنتجات الغذائية بالاعتماد على ذواتهن، وهو الأمر الذي اعتبرته داليا زخاري أمر غير مفهوم ولا يمكن أن يأخذ على محمل الفكاهة أو نقل الخبرات لأن به تنميط غير مفهوم للنساء، مشيرة إلى أن المرأة بالأساس مسؤولة عن عدد لا يمكن حصره من المهام سواء كانت ربة منزل ومنوط بها العمل الرعائي أو موظفة ولديها مهام داخل المنزل وخارجه، مضيفةً أن الرجال عليهم مسؤولية تجاه منازلهم أيضاً خاصة في عملية البحث عن بدائل تحمي الأسر وتؤمن مخزونها الغذائي في مواجهة التغيرات المناخية.
وتابعت "عملت لنحو 8 سنوات في إدارة برامج بمحافظة المنيا ومنها أحد المسوح الاجتماعية التي استهدفت الخروج بصورة عن المجتمع من خلال دراسة احتياجاته وبحثها للبناء على نتائجها في العمل التنموي لاحقاً والجلسات كانت موجهة لعدد من الفئات منهم مزارعين القرية والتجار والنساء والشباب والموظفين وكانت هناك أسئلة خاصة بالدخل وتوزيعه خاصة أن العمل أغلبه موسمي وكانت المرأة المدبر الأول لتأمين الاحتياجات".
ولفتت إلى أن أحد الأسئلة كان يتعلق بسبل ضمان استمرارية والقدرة على تأمين الغذاء على مدار العام وكانت الإجابة أن جزء من الأجر يتم صرفه من المحصول ومنه القمح الذي تم طحنه واستخدامه في أنواع من المخبوزات التي يستمر وجودها بالمنزل على مدار العام وأيضاً "الكشك" وهو نوع من الأطعمة التي تعتبر مخزون أيضاً فضلا عن استغلال تربية المواشي في منتجات الألبان المختلفة.
وأوضحت أن ما لا يفهمه رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين يقدمون النصائح لا يفهمون أن المواشي تأثرت بالتغيرات المناخية حيث أصيب بعضها بالأمراض وأن النساء في الريف تعملن بالفعل وتحققن دخل مالي من تربية الدواجن والطيور المختلفة وصنع الجبن والزبدة ولكن المجتمع لا يعترف بتلك الأعمال، كما أن المحاصيل ذاتها تأثرت وجميعها أمور خارجة عن إرادة النساء ولا يمكنهن أن يصنعن في ظلها أية بدائل كما أن ثقافة المجتمع يجب أن تتغير فليست المرأة وحدها المسؤولة في الأسرة والرجال عليهم تحمل مسؤولياتهم أيضاً.
العاملات وضريبة مشاركتهن في تلبية احتياجات الأسرة
التغيرات المناخية كانت كاشفة لمجموعة من المشكلات الاجتماعية السابقة عليها والتي لم يتم التعامل معها بشكل جيد فترى المحامية داليا زخاري، أن المكتسبات التي تم تحقيقها على مدار 50 عام سابقة راحت أدراج الرياح كنتاج للظواهر الكبرى والأزمات التي تحتل التغيرات المناخية والأوبئة الترتيب الأول منها.
واعتبرت أن فرص النساء في التعليم أقل وزاد الأمر سوءاً بسبب ارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها وهو الأمر الذي ترتب عليه قلة فرصهن في العمل بالتبعية وزيادة معدل البطالة فيما بينهن والأمر في تقديرها غير قاصر على العمل بل أن الوصول للخدمات الصحية أيضاً أقل للنساء لأنهن لا تستطعن طلب العلاج في المراكز البعيدة عن قراهن كما يفعل الرجال لما يقع على كاهلهن من قيود تحول دون تمكنهن من الخروج دون إذن الزوج أو لعدم توفر الأموال اللازمة لذلك، موضحة ان سكرتير الأمم المتحدة خرج خلال فترة كورونا وأعلن أن معدلات العنف الأسري والاقتصادي ضد النساء ارتفعت، داعياً الدول لمراعاة ذلك وايجاد البدائل، مؤكدة أن ما تمت صياغته من أسباب لذلك غير مفهومة ومسألة أن المكوث في المنزل يتبعه عصبية تدفع النساء فاتورتها بشكل دائم كضحايا أمر غير إنساني ويحتاج للعمل على تغييره.
حلول تساعد في التقليل من حجم معاناة النساء
أكدت داليا زخاري، أنه يجب على الدول اتخاذ تدابير تعويضية تتعلق بالأنشطة الموجهة للتعامل مع التغيرات المناخية ومراعاة النوع الاجتماعي بعد التيقن أن النساء الأكثر تضرراً جراء الخلل المناخي، مضيفة أن هناك بعض المناطق الجغرافية ستتأثر سلباً لذلك يجب أن يتم تدريب المزارعين على العمل في ظل التغيرات الجديدة من خلال أدوات حديثة أو وسائل بديلة كالزراعة الذكية حتى يتمكنوا من التوائم ومواكبة التغير الجديد، مشددة على ضرورة التفكير في النساء كعنصر متضرر احصائياً بأعداد أكبر ومراعاتهن في التعليم وتوفير فرص عمل تستهدفهن بالأساس للتعامل مع الأمر.
وعلى مستوى المجتمع المدني فالمؤسسات العاملة في المناطق المتضررة عليها العمل على برامج توعية للأسر والفئات المتضررة لأن بينهم من لا يدرك تأثير التغيرات المناخية ويحمل النساء بأعباء ليسوا طرفا بها، معتبرة أن التوعية بالتغير المناخي وتأثيره على الفئات المختلفة يجب أن يكون أهم برامج عمل مؤسسات المجتمع المدني ويجب إشراك المجتمعات أنفسهم في البحث على الحلول ليسبقوا التغير بخطوة من خلال إشراك المجتمعات.