إيران... أزمة تلوث الهواء تتفاقم وتتسبب بإغلاق المدارس والجامعات
في الآونة الأخيرة أصبح تلوث الهواء في معظم المدن الإيرانية قضية مثيرة للجدل والقلق، حيث عانت طهران والعديد من المناطق الأخرى من تلوث شديد في الهواء، حتى أنه تم إغلاق المدارس في عدد منها.
مركز الأخبار ـ وصل تلوث الهواء في العديد من المدن الإيرانية إلى مستويات خطيرة أثرت على جميع الفئات العمرية خاصةً على الأطفال والمسنين وأصحاب الأمراض المزمنة ومرضى الجهاز التنفسي بعد وفاة أكثر من 26 ألف شخص في 33 مدينة إيرانية.
تزامن تفاقم أزمة تلوث الهواء في طهران وغيرها من المدن الإيرانية في الأسابيع الأخيرة مع تصريحات متناقضة لمسؤولين حكوميين حول زيادة استخدام وقود الديزل في محطات الطاقة والصناعات، وحتى عام 2019 كانت العديد من المدن الإيرانية الكبرى تشهد تلوثاً كبيراً في الهواء، بعد أن أرجعت السلطات سبب التلوث إلى الأشخاص والسيارات الخاصة، لكن مع تفاقم التلوث من جهة وبقاء الناس في منازلهم بسبب انتشار فيروس كورونا وقوانين حظر التجول، أصبح من الواضح أن الناس لا يلعبون دوراً في تلوث الهواء، وأن السبب الحقيقي وراء ذلك هو حرق وقود السيارات.
ويعتبر زيت وقود السيارات أحد المنتجات البترولية التي يتم الحصول عليها بعد عملية التكرير، وهو منتج منخفض التكلفة وعالي الانبعاثات يستخدم في الأفران ومحركات الديزل البحرية ومحطات الطاقة، وبحسب الإحصائيات الرسمية لوزارتي النفط والطاقة الإيرانية، فإنه حتى عام 2017، تم استهلاك حوالي خمسة مليارات لتر من زيت التدفئة (المازوت) سنوياً في البلاد، منها 3.5 مليار لتر في محطات توليد الكهرباء، لكن في السنوات الأخيرة صدرت إيران ما يقارب من 15 مليار لتر من وقود الديزل.
ومنذ بداية عام 2020، حظرت المنظمة البحرية الدولية استخدام الوقود الذي يحتوي على أكثر من نصف بالمائة من الكبريت في السفن، وبموجب هذا القانون لم يعد يتم شراء الديزل المنتج في إيران عملياً، وحتى لو تم العثور على مشتر لوقود الديزل الإيراني، فإن الزيادة في الطلب المحلي على الكهرباء والغاز وافتقار السلطات إلى إدارة الأزمة لتخصيص الأموال الكافية لاستخدام أنواع الوقود الصحية كان سبباً في استبعاد إمكانية بيعه.
وفي الأسابيع الماضية استنشقت العديد من المدن الإيرانية بما فيها (مشهد، همدان، شيراز، بجنورد، وتبريز وآراك وأصفهان وأرومية) وغيرها العديد من المدن هواءً غير صحي لعدة أيام، ونسب المسؤولون ووسائل الإعلام الرسمية هذا التلوث إلى الغارات المنبعثة من السيارات وينفون حرق المازوت، من بينهم وزير الداخلية الذي قال في اجتماع الوفد الحكومي أن 60% من تلوث الهواء مرتبط بالمصادر المتنقلة، لكن في المقابل فإن الأرقام تظهر أن طاقة المصانع والمصافي والصناعات تساهم بنسبة 34% في إنتاج الجسيمات العالقة، الذي يعتبر أكثر من ضعف السيارات الخاصة أي أن 34% حصة محطات توليد الكهرباء والمقابل 14% حصة السيارات الخاصة تؤكد حرق زيت الوقود.
وأعلن المسؤولون في معظم المدن أن زيت الوقود يستخدم في محطات توليد الطاقة وهذه المشكلة تسببت بتراكم كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكبريت في الهواء، ومع ذلك واستناداً إلى المعلومات التي تم الحصول عليها العام الماضي، تم استهلاك ما متوسطه 25 مليون لتر من زيت الوقود الذي يحتوي على نسبة عالية جداً من الكبريت بنسبة 3.5% و110 مليون لتر من وقود الديزل يومياً في إيران، وحتى في شتاء العام الماضي بلغت ذروتها أرقام غير مسبوقة وصلت إلى 43 مليون لتر و128 مليون لتر.
كما تبين خلال البحث أن 20% فقط من البنزين المنتج في إيران يفي بمعايير Euro 4 وEuro 5، وفي كل يوم يتم استخدام ما يقارب من 10 ملايين لتر من المواد الكيميائية والعطرية والمادة شديدة الخطورة "MTBA" لتعويض النقص في البنزين واحتراقه بسلاسة ويتم خلط المصافي.
أن هذه الكمية من المواد الكيميائية الموجودة في الهواء داخل المدن الإيرانية تعرض حياة ملايين الأشخاص للخطر وتسبب إحساساً بالحرقة في الممرات التنفسية وسيلان الأنف وحرق داخل العين وسعال ومشاكل في التنفس والربو وتشنج القصبات الهوائية والسعال الشديد وتفاقم معاناة مرضى القلب والجهاز الهضمي، بحيث توفي في عام 2021 فقط 6398 شخصاً في طهران وفي عام 2022 تسبب تلوث الهواء بوفاة أكثر من 26000 شخص في 33 مدينة إيرانية، وفي الأسابيع الأخيرة أيضاً تم الإبلاغ عن تلوث الهواء في غرف الطوارئ بالمستشفيات وتبين أنه مقارنة بالسنوات الـ 14 الماضية، زادت مهام الطوارئ المتعلقة بمشاكل الجهاز التنفسي والقلب بنحو 15% أغلبهم أطفال بعمر الخمس سنوات والأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاماً والذين يعانون من أمراض مزمنة وربو.
وتفاقمت أزمة تلوث الهواء في طهران والمدن الكبرى الأخرى في إيران إلى درجة أجبرت السلطات إلى إغلاق المباشر لبعض المدارس والمراكز التعليمية في العاصمة وعدد من المدن، بما في ذلك أصفهان، مشهد وأراك وقم والأهواز وتبريز وأرومية وسمنان.
ومنذ أكثر من 40 عاماً لم تهتم السلطات الإيرانية بالبيئة ومشاكل نقص المياه وتلوث الهواء الذي تسبب في وفاة آلاف الأشخاص، وحتى الآن وفي مثل هذا الوضع تحول تلوث الهواء من مشكلة إلى أزمة، كان السبيل الوحيد أمام السلطات لحل هذه الأزمة هو إغلاق المدارس والجامعات.