اليوم الدولي لحفظ طبقة الأوزون من أجل مناخ أفضل

"كل شيء زاد عن حده انقلب ضده" وكذلك هو الحال بالنسبة لأشعة الشمس التي تصبح ضارة عندما تزيد عن حاجة الأرض وكائناتها وأنظمتها الأيكولوجية، لكن بوجود طبقة الأوزون يمكن أن تحميها من التأثيرات الجانبية الناجمة عن الزيادة في أشعة الشمس الواردة إليها

مركز الأخبار ـ ، لذلك كان لا بد من التخلص بشكل تدريجي من المواد المستنزفة لهذه الطبقة أو الاستخدام المحكم لها.
استيقظ العالم من غفوته عام 1985بعد أن شعر بأهمية طبقة الأوزون والضرورة الملحة إلى حمايتها، فقامت الدول بتبني اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزن، وليس ذلك فحسب بل وعملت الحكومات والعلماء على التخلص من 99% من المواد التي قد تلحق ضرراً بها بموجب بروتوكول مونتريال لاتفاقية فيينا المتفق عليه عام 1987.
واحتفالاً بالإنجازات التي حققتها اتفاقية فيينا وتشجيعاً للقيام بأنشطة تتفق مع بروتوكول مونتريال الذي يحدد الإجراءات والتدابير الواجب اتباعها على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي بهدف التخلص بشكل تدريجي من المواد المستنزفة لطبقة الأوزون، ودعماً للجهود العالمية التي تهدف للتصدي لتغيرات المناخ، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1994 بأن 16 أيلول/سبتمبر اليوم الدولي لحفظ طبقة الأوزون، وهو التاريخ عينه الذي وقعت فيه أكثر من 190 دولة على بروتوكول مونتريال.
 
الأوزون شكل آخر لتعافي المناخ العالمي
يعد الأوزون أحد أشكال عنصر الأوكسجين إلا أن وجوده في الطبقات الجوية التي تعيش فيها الكائنات الحية يشكل نسبة قليلة لكنها مهمة، فهو يوجد في المسافة الممتدة بين 10 و40 كيلومتر فوق سطح الأرض، ويطلق على هذا المجال منطقة الستراتوسفير وتشكل نسبة الأوزون فيها حوالي 90% من إجمال وجوده في الغلاف الجوي. 
وتعمل طبقة الأوزون على امتصاص بعض من أشعة الشمس خاصة الأشعة فوق بنفسجية، أما الأوزون المتشكل بطريقة غير طبيعية أي المتكون من الملوثات يعتبر ضاراً على الكائنات، وفي عام 1985 تم نشر دراسة استقصائية للبحرية القطبية البريطانية مفادها أن ظاهرة ما تستنزف الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية عرفت باسم "ثقب الأوزون" وهذه الظاهرة تهدد البيئة، كل ذلك ساعد على دعم وتعزيز بروتوكول مونتريال الذي يركز الحد من الاستخدام غير المشروع للغازات المستنفذة للأوزون.
وأظهرت دارسة أجرتها وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" أن تآكل طبقة الأوزون تراجع بنسبة 20% بين عامي 2005 و2016، وذلك بسبب انخفاض كمية الكلور بعد الامتثال لبروتوكول مونتريال التي تحظر استخدام المواد المستنفذة للأوزون، كما أكد باحثون سويسريون إن ثقب الأوزون فوق القطب الجنوبي أثر بشكل غير متوقع على المناخ وغير أنماط هطول الأمطار في جنوب المحيط الهادي.
كما أن اجتماع خبراء الأوزون الذي عقد برعاية جمعية الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية في العاصمة السويسرية جنيف عام 2018، كشف عن التفاعلات الكبيرة بين الأوزون والمناخ وعن ضرورة زيادة البحوث وعمليات الرصد لوضع ودعم السياسات المفيدة للمناخ والأوزون الذي يعد مصدر الحرارة، ويمكن أن تساعد بيانات توزيع الأوزون على تحسين التنبؤ بالطقس وتقلباته.
وفي عام 2014 صدر تقرير التقييم العلمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، الذي أكد أن ثقب الأوزون السنوي في المنطقة القطبية الجنوبية من أهم اسباب تغير المناخ، حيث أن نفاذ الأوزون يتسبب في تبريد الطبقة السفلى من الستراتوسفير، ويعتقد أن له آثار على تغيرات درجات الحرارة السطحية والهطول والمحيطات.
وصرح الرئيس المشارك لفريق التقييم العلمي الرئيسي للأوزون جون بايل أنه لا يمكن اعتبار طبقة الأوزون ونظام المناخ نظامين منفصلين فهما مترابطين، وأن معدل تعافي طبقة الأوزون سيأثر بقوة على مسار غازات الاحتباس الحراري في المستقبل. 
ويعتبر القضاء على المواد المستنفذة للأوزون مفيداً للمناخ، حيث أن مركبات الهيدروفلوروكربون المستخدمة في أجهزة تكييف وتبريد الهواء لا تضر بطبقة الأوزون لكنها تحبس الحرارة، وبسبب المخاوف من أثارها الضارة تم عام 2016 الوقف التدريجي لإنتاج واستهلاك هذه المواد المسببة للاحترار العالمي بحسب تعديل كيغالي، حيث تعهدت الدول الموقعة على التعديل بخفض الإنتاج إلى ما يزيد عن 80% خلال الثلاثين عام المقبلة.
 
اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون
دخلت اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون حيز التنفيذ عام 1988 بعد أن تم الاتفاق عليها في مؤتمر فيينا الذي عقد في العاصمة النمساوية فيينا، وتعد اتفاقية بيئية متعددة الأطراف وهي بمثابة سياق للمساعي الدولية لحماية طبقة الأوزون، وهي لا تتضمن شروطاً تمنع إنتاج أو استهلاك أي مادة كيمائية يمكنها أن تكون مستنفذة للطبقة، على عكس بروتوكول مونتريال.
لكن الاتفاقية دفعت المجتمع الدولي بإثباتاتها العلمية حول استنفاذ طبقة الأوزون إلى اتخاذ إجراءات واعتماد أليات للتعاون من أجل وضع التدابير المناسبة لحماية طبقة الأوزون، وشجعت الأطراف على التعاون في تبادل المعلومات والبحث والرصد المنتظم لآثار الأنشطة البشرية على الطبقة، بالإضافة لاتخاذ التدابير المناسبة والتعاون من أجل تنسيق سياسات المراقبة وخفض أو منع الأنشطة الضارة بطبقة الأوزون. 
 
بروتوكول مونتريال ...درع الحماية لطبقة الأوزون
بهدف حماية طبقة الأوزون من خلال اعتماد التدابير والإجراءات المناسبة لمراقبة الإنتاج العالمي بالإضافة لخفض الاستهلاك الإجمالي للمواد المستنفذة لها، مع احتمالية القضاء على هذه المواد عن طريق تطوير واستخدام المعارف العلمية والتكنولوجية البديلة، تم طرح بروتوكول مونتريال الذي وضع جدولاً زمنياً للتخلص التدريجي من المواد المستنفذة للأوزون بهدف القضاء عليها في نهاية المطاف.
وتم تصنيف هذه المواد لمجموعات من المواد الكيميائية وفقاً لعائلتها الكيميائية المدرجة تحتها بحسب مرفقات نص بروتوكول مونتريال، والسيطرة على ما يقارب مئة من المواد الكيميائية في عدة فئات، حيث حدد البروتوكول الجدول الزمني لكل مجموعة تم التخلص منها تدريجياً من إنتاجها وحتى استهلاكها، مع وجود بعض الاستثناءات للمواد التي لم يتم الحصول على بدائل لها مثل أجهزة الاستنشاق بالجرعات المقننة المستخدمة لعلاج مرض الربو وغيره من أمراض الجهاز التنفسي وأجهزة أطفاء الحرائق الناجمة عن التماس الكهربائي المستخدمة في الغواصات والطائرات.
ويطبق بروتوكول مونتريال بشكل جيد في الدول المتقدمة وأيضاً النامية، حيث تم الالتزام بجميع الجداول الزمنية وفي بعض الحالات قبل الموعد المحدد وفي حالات أخرى تم التركز على المواد الكيميائية ذات الضرر العالي مثل مركبات الكربون الكلورية فلورية والهالونات، بينما تم التراخي في التخلص من مركبات الكربون الهيدروكلورية فلورية بسبب ضعف إمكانياتها في استنفاد الأوزون.
ومن خلال تعديل كيغالي عام 2016 الذي صدق عليه 81 دولة ودخل حيز التنفيذ عام 2019، حمل بروتوكول مونتريال في طياته تدابير وإجراءات تحقق نتائج ذات أهمية كبيرة فيما يتعلق بالتغيرات المناخية والأضرار البيئية، حيث توصلت الأطراف في البروتوكول للتخلص التدريجي من مركبات الكربون الهيدروفلورية في نظم التبريد والغازات الدفينة التي تسبب الاحترار المناخي، والاستغناء عن استخدامها يمكن أن يخفض الاحترار العالمي إلى 0.4 درجة سيليسيوس خلال القرن الحالي.
وفي عام 1992 تم عرض جدول زمني على الدول المتقدمة والنامية للتخلص التدريجي من مركبات الهيدروكلوروفلوروكربون المستخدمة في قطاعي تكييف الهواء والتبريد، حيث تم تجميد تداولها نهائياً عام 2015 والتخلص النهائي منها بحلول عام 2030 في الدول المتقدمة وفي عام 2040 في الدول النامية، وسيؤدي هذا العرض إلى تخفيض كبير في استنفاذ الأوزون وكذلك في الاحترار العالمي. 
وبحسب دراسة نشرت في دورية "جيوفيزيكال ريسيرتش ليترز" استندت على رصد طبقة الأوزون، أثبتت أن عنصر الكلور في طبقتي الأتموسفير والستراتوسفير كونه أحد المنتجات الثانوية لمركبات للكلوروفلوروكربون، هو السبب الرئيسي في تآكل طبقة الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية، حيث أنه يعمل على تفكيك الروابط بين ذرات الأوزون الموجودة في الطبقة وتحليلها.
وأصبحت اتفاقية فيينا وبروتوكول مونتريال وتحديداً في عام 2009 أول معاهدتين في تاريخ الأمم المتحدة بسبب تحقيقهما للتقدم العالمي بالإضافة للدعم الذي حظيتا به، ففي اليوم الدولي لحفظ طبقة الأوزون عام 2018 ركزت الاحتفاليات على حث الدول على مواصلة العمل النموذجي في حماية طبقة الأوزون والمناخ وفق بروتوكول مونتريال، وحمل هذا اليوم شعار "ابق هادئاً وواصل: بروتوكول مونتريال"، وفي عام 2003 قال الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان بأن البروتوكول "واحد من أنجح المعاهدات الدولية حتى الآن".