التغييرات المناخية وتداعياتها على نقص المياه الجوفية في ليبيا
تعتمد ليبيا على المياه الجوفية بنسبة 80% من استهلاكها العام للمياه، وعلى الرغم من أنها من الدول التي تعاني شحاً كبير بالمياه، إلا أن معدل استهلاك الفرد فيها بلغ مستويات مخيفة.
ابتسام اغفير
بنغازي ـ وفقاً للتقرير الذي نشره معهد الموارد العالمية في معدلات استهلاك الفرد الواحد للمياه جاءت ليبيا في المرتبة الـ 15عالمياً، على الرغم من أنها من الدول التي تعاني من شح كبير بالمياه وارتبط معدل الاستهلاك بوجود ملوثات في المياه رفعت من الإجهاد المائي لكثرة الطلب على المياه النظيفة.
قالت الأستاذة وخريجة قسم النبات في كلية العلوم بجامعة بنغازي فيروز عبد القادر العريبي "كان لاختيار موضوع تلوث المياه بالبحث والدراسة أهمية كبيرة من الجانبين البيئي والصحي على حياة الإنسان والحيوان والنبات والنظم البيئية بشكل عام، وأعمل حالياً في المستشفيات الموجودة في بنغازي، واخترت العمل على المرافق الصحية لأنها الأكثر أهمية وحساسية وتأثراً بالتلوث".
وأوضحت أن نسبة استهلاك الفرد في ليبيا للمياه مرتفع جداً مقارنة بعدد السكان، فبحسب أحد التقارير التي تم نشرها مؤخراً جاءت ليبيا في المرتبة الـ 15عالمياً من حيث استهلاك المياه بالنسبة للفرد الواحد حيث يصل استهلاكه في اليوم الواحد إلى ما يقارب 2390 لتر وهذا يعتبر استهلاك مرتفع، ويوازي ثلاثة أضعاف استهلاك الفرد في دول أخرى وهو معدل مخيف جداً.
وأشارت إلى أن المصدر الرئيسي للمياه في ليبيا هي المياه الجوفية، بنسبة تقدر بحوالي 80%، ولا توجد لديها مصادر مياه أخرى، وهذا سيؤثر مستقبلاً على المياه، ومن أحد أسباب هذا الاستهلاك المخيف هي قلة الوعي بين السكان بأهمية الحفاظ على المياه.
وأكدت على أن التسريبات في شبكات المياه تتسبب بفقدان كميات كبيرة منها، هذا بالتأكيد سيؤدي مستقبلاً إلى ندرة المياه في ليبيا، وعلى الرغم من أنها تستخدم تقنيات تحلية مياه البحر، لكن ليس بشكل كبير ولا تعتمد عليها كمصدر رسمي وهي طريقة مكلفة.
ونوهت إلى أن ليبيا بلد شحيح الأمطار وبالتالي فهو لا يعتمد كثيراً عليها كمصدر للمياه، فكما يعلم الجميع أن شرق ليبيا، هي أفضل المناطق التي تحظى بفرص لنزول الأمطار، وعلى الرغم من ذلك فإن معدل هطولها في الموسم يصل تقريباً من 450 ملم إلى 600 ملم، في الموسم الواحد ويتم استخدام هذه الأمطار في الزراعة.
وبالعودة والحديث عن مصادر تلوث المياه في ليبيا قالت فيروز عبد القادر العريبي إن "هناك مصادر كثيرة للتلوث متمثلة في الزراعة والصناعة، وعندما نقول التلوث بسبب الزراعة نقصد هنا الإفراط في استخدام الأسمدة التي تعتمد على نسبة مرتفعة من المواد الكيماوية، حيث تتسرب إلى المياه كذلك مخلفات المزارع نفسه، وعندما تتسرب هذه المخلفات ترتفع نسبة النتروجين في المياه وهذا بالتأكيد له انعكاس سلبي حيث يقلل من نسبة الأوكسجين وبالتالي يؤثر على حياة الكائنات المائية".
وأشارت إلى أن الصناعة أيضاً تؤدي إلى رفع نسب التلوث فمخلفات المصانع والصرف الصحي الخاص بها تحتوي على المعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص وكذلك المخلفات النفطية، كما أن شبكات الصرف الصحي المتهالكة من أحد أسباب التلوث وهذه الملوثات بالتأكيد لها تأثير كبير على صحة الفرد في المجتمع "إن البكتيريا المنتشرة بشكل كبير بسبب تلوث المياه، لها تأثير على صحة الإنسان وعندما قمت بعمل تحاليل لهذه المياه وجدت أن نسبة التلوث كبيرة جداً بأنواع مختلفة من البكتيريا، فهي تسبب النزلات المعوية المختلفة، ومعظم الأمراض المتعلقة بالجهاز الهضمي".
وأوضحت أن سوء إدارة الموارد المائية في ليبيا أدى إلى ندرة المياه ورفع معدل الاستهلاك لها "ليبيا الدولة الوحيدة في العالم التي لا تفرض ضريبة على المياه أي أن استهلاك المياه مجاني تماماً، وهذا يقلل الوعي بأهمية ترشيد الاستهلاك الذي يؤدي بالتالي إلى الاجهاد المائي، وبالتالي رفع نسبة التلوث في المياه التي يستخدمها الفرد في حياته اليومية".
وعن أهم أسباب تلوث المياه في ليبيا وأفضل الطرق التي يمكن استخدامها لمعالجة التلوث بينت أنه "لا بد من وجود تحليلات دورية للمياه، ومصادرها إما كيميائياً أو بيولوجياً والكشف عن المعادن، مثل الرصاص والزئبق، فهناك أيضاً فطريات وطحالب، وارتفاع نسبة الطحالب بسبب التلوث يخلق لدينا ظاهرة خطيرة تسمى المدى الأحمر، بحيث تمتص الطحالب الأوكسجين من المياه، وهذا يؤدي إلى موت الأحياء البحرية وهنا يحدث خلل في النظم البيئية التي تحيط بنا".
وحول كيفية توعية المجتمع بترشيد استخدام المياه والحفاظ عليها من التلوث، أكدت أنه لابد من الاهتمام بذلك من قبل طلاب المدارس والجامعات بإقامة ندوات وورش توعوية وكذلك التوجه للمزارعين ولأصحاب المصانع بضرورة فصل الآبار الجوفية عن مصادر التلوث التي تنتج أثناء الزراعة في حال استخدام المبيدات الزراعية، أو في حال وجود مخلفات المصانع.
ونوهت إلى أنه لا يوجد في ليبيا طرق متقدمة لتنقية المياه وتعقيمها "إن الطرق المستخدمة حالياً هي "الكلورة" فقط مثل مياه النهر الصناعي توجد بها منظومة متكاملة لهذا الغرض، وكانت من العينات ذات النتائج السليمة من التلوث، بخلاف ذلك لا يوجد تقنيات لمعالجة المياه مثل الأوزون التي تعتمدها بعض شركات المياه الخاصة".
وفي ختام حديثها قالت فيروز عبد القادر العريبي، إن الأهالي الذين يمتلكون آباراً جوفية في منازلهم لا يعتمدون على تقنية معينة لمعالجة المياه التي يستخدمونها، لذلك عندما قام أهل أحد أحياء مدينة بنغازي المقام حديثة والذين يعتمدون على المياه من منطقة سيدي منصور وجدوا أن هناك نوع من البكتيريا وهنا بدأوا بالتعقيم، ولكن هذه الطريقة عشوائية جداً فهناك نسب معينة للكلور فاذا زادت عن حدها فسوف تسبب لهم أمراض.