المرأة التونسية شريك مهم في تحقيق الاستدامة البيئية
أكدت مؤسسات دولية عديدة ومن بينها البنك الدولي منذ تسعينات القرن الماضي، على الدور الرئيسي للنساء في إدارة الموارد الطبيعية مثل التربة والمياه والطاقة وغيرها
زهور المشرقي
تونس ـ ، وقدرتهن على المساهمة في التعريف بالنظم البيئية التي تحيط بالإنسان والكائنات الحيّة، انطلاقاً من معرفتها المكتسبة بالمجال البيئي، معتبراً أن للمرأة مكانة بارزة في المحافظة على البيئة وتحقيق الاستدامة المرجوة، وهي التي ما انفكت تبدي حرصها على صحة محيطها لضمان سلامة أسرتها وحمايتها من الأنماط السلوكية السلبية التي قد تؤثر عليها حاضراً ومستقبلاً.
بالرغم من أن نسبة وجود النساء في المجال البيئي بتونس ضعيفة، إلا أنهن يواصلن الجهود للتمركز وإبراز قدراتهن وكفاءاتهن التي ترجمتها العديد من المبادرات في مختلف المناسبات المحلية والإقليمية والدولية.
وتلعب التونسية دوراً في تحقيق الاستدامة البيئية عبر ممارساتها اليومية داخل عائلتها حيث تعمل على تربية جيل محب للبيئة محافظ عليه، بدءاً من اقتناء منتجات غير مضرة للبيئة بل صديقة لها، وصولاً إلى الانخراط في مشاريع تدوير النفايات، وهي تجارب كثر الحديث عنها في تونس.
وتحدثت ربيعة الورفلي، وهي معلمة وصاحبة مشروع مبتدئ خاص بتدوير النفايات في تونس، لوكالتنا عن أهمية تثمين النفايات الخضراء بطريقة التخمير البيولوجي وتحويلها إلى سماد عضوي من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وهو مشروع قد يحقق دخل للنساء اللواتي يرغبن في موطن عمل انطلاقاً من منازلهن، ويحقق للدولة ربحاً أيضاً.
ولفتت إلى أن هذا المشروع من شأنه أن يخلق موارد رزق للعاطلات عن العمل من خلال تحويل النفايات المنزلية إلى سماد مفيد للزراعة، داعية المؤسسات المعنية بالدولة وخاصة وزارة البيئة إلى تسهيل ودعم مثل هذه المشاريع.
وأوضحت ربيعة الورفلي بأنها لا ترمي أي شيء في النفايات، بل تقوم باستغلال ما يتوفر في منزلها وفي المدرسة عبر التدوير ثم التسويق، مشددةً على مساعيها في تربية الناشئة على حماية المحيط والاستغلال الايجابي لكل ما يتم استعماله يومياً.
وأكدت على أهمية خلق فرص التنمية من البيئة، وأهمية إدخال المشاريع الصديقة للبيئة في الحياة اليومية لتحقيق الاستدامة البيئية التي من الأهمية أن تكون النساء جزءاً منها.
وأفادت بأن أكثر من 50% من نفايات تونس لا يتم فرزها مباشرة بل تحول إلى عملية الطمر في مكبات مراقبة من قبل السلطات وأغلبها عشوائية، وهي التي يمكن أن تستغل لتعطي الحياة للأرض وتكون مصدر ثروة خاصة للنساء اللواتي يسعين إلى المحافظة على البيئة وحمايتها بجمع النفايات وتجميع البلاستيك المرمي في الشوارع وفي مكبات النفايات في بلد ينتج 2.7 مليار قارورة ماء، و2.4 مليار كيس بلاستيكي.
ومن جهتها ترى الصحافية المختصة في المجال البيئي، ريم بن خليفة، أن السياسة بصفة عامة ليست بمنأى عن البيئة، لأن ما يُحدد السياسات العامة البيئية محلياً وعالمياً هم الساسة، كذلك السياسة تتدخل في الثقافة وفي البيئة وفي الاقتصاد والعديد من المجالات، ولا شك في أن التنمية المستدامة حق من حقوق الإنسان، وهذا المجال ليس بغريب عن محدثتنا باعتبار نشأتها في وسط ريفي بامتياز، وقد أرادت أن تكون صوتاً من الأصوات المنادية بضرورة حماية البيئة من التلوث وأهمية الحفاظ على الطاقة، خاصة في ظل ما يتعرض له العالم من مخاطر التغير المناخي الذي يمثل أكبر تهديد للعالم ومن بينه شمال إفريقيا حيث تعتبر تونس من الدول المهددة بالجفاف وشح المياه.
وعن دور المرأة اليوم في تونس لتحقيق الاستدامة البيئية، قالت "منذ أوائل تسعينات القرن الماضي اعتبر البنك الدولي أن للمرأة دوراً مهمّاً في إدارة الموارد الطبيعية وكانت هناك العديد من الأصوات المنادية بضرورة الحفاظ على البيئة، وهناك مؤلفات عديدة في هذا الصدد منها دور المرأة في التطور الاقتصادي وغيرها من المؤلفات، وكانت أغلب النساء في ذلك الوقت من ربات البيوت، في حين تطورت الأوضاع وأصبحت المرأة اليوم جنباً إلى جنب مع الرجل، بل أكثر حركيةً ومشاركة في المجتمع، في حين لا يزال مُناطاً بعهدتها تغيير العادات الاستهلاكية والأنماط السلوكية بحكم كونها المسؤولة عن تربية الأطفال والعناية بالطرق الاستهلاكية من خلال معرفتها بالمستلزمات الصديقة للبيئة، مع الإشارة هنا إلى أن المرأة الريفية ظلت أكثر التصاقاً بالطبيعة والبيئة، فهي تجلب المياه وتوفر الوقود وتمارس عملها المتنوع في المحاصيل الزراعية والحصاد".
وحول كيفية تفعيل دور المرأة في المجال البيئي، أوضحت أن البيئة ترتبط بالتنمية وبالمؤسسات المالية، معبرةً عن أسفها لكون أغلب الفقراء والأميين في العالم هم من فئة النساء لذلك وجب مراعاة تمكينهن اقتصادياً ودمجهن في الحياة العملية مع مراعاة جنسانيتهن في العمل.
وبدورها اعتبرت المختصة في الاتصال البيئي هادية شاهد، أن المرأة هي الركيزة الأساسية في التغيير الاجتماعي، وتؤثر وتتأثر بمحيطها الأسري والمهني والبيئة التي تنشط فيها وتتكامل أدوارها مع الرجل لإحداث التغيير المنشود من تحول وتطور في أسلوب الحياة، مما يؤثر على المجتمع وقيمه وعلاقاته ومؤسساته، كما أن لها دوراً اجتماعياً ومسؤولية كبيرة تتمثل في تربية الأجيال وهو ما يجعلها مسؤولة مباشرة عن غرس قيم حماية البيئة والتنمية المستدامة في الناشئة.
وأوضحت أن الاعتراف بحق المرأة في حماية الطبيعة من المكاسب الأكثر أهمية التي جاءت في العقود الأخيرة وانعكست في العديد من الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك قمة ريو للبيئة والتنمية عام 1992 لتأكيد ذلك الدور.
وأكدت هادية شاهد، على أن الجميع مُطالب بإيجاد حلول للتحديات خاصة تغير المناخ ودعم مختلف الجهود الوطنية من أجل تحقيق التنمية المستدامة عبر مشاريع ومبادرات ملموسة.
واعتبرت أنه لا يمكن تحقيق التنمية الاجتماعية دون مساواة تامة بين الجنسين بعيداً عن جميع أشكال التمييز، حيث لا استدامة بيئية دون دور فاعل للنساء كرائدات أساسيات للتغيير، لافتةً إلى أنه من المؤسف أن تظّل التونسيات تعانين من اللاّمساواة برغم ما يبذلنه من جهود كبيرة لتحقيق الاستدامة البيئية والتفاعل المسؤول والرشيد لتجنب استنزاف الموارد الطبيعية والتصدي لتدهورها، ولضمان تلبية حقوق الإنسان دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتهم.
ودعت هادية شاهد الجهات الرسمية إلى السعي لتمكين النساء والفتيات في خطط التنمية المستدامة والسماح لهن بتأدية دورهن الحيوي بوصفهن عنصراً فاعلا في التنمية.
وشدّدت على أهمية الاعتراف بالمساواة بين الجنسين، معتبرةً أن تمكين النساء أمر حاسم لإحراز تقدم في كل أهداف التنمية المستدامة لا الوقتية.
ونددت بتواصل ظاهرة تأنيث الفقر حيث إن القضاء عليه بجميع صوره البشعة أبرز شروط التنمية المستدامة في تونس، ولا يكون إلا عبر إشراك النساء وإقحامهن في مجال خلق فرص لهن لمحاربة الفقر وحماية البيئة.
وأوضحت أن الكوارث الطبيعية ومختلف الظواهر السلبية تمسّ النساء بالدرجة الأولى ولا يمكن التصدّي لها دون دعم النساء والوقوف إلى جانبهن.
وترى هادية شاهد أن التطور الذي عرفته تونس في السنوات الماضية أصبح يحط بثقله وضغطه على النظم البيئية، مشيرةً إلى أن خلق مشاريع بيئية من شأنها أن تساهم في تنمية السكان، سواء في جانب تغير النمط الاستهلاكي للحياة العصرية الذي يؤدي إلى زيادة النفايات المنزلية ونفايات المكاتب والمؤسسات التي من الممكن أن تتحول إلى أداة ضمن مشاريع التدوير حفاظاً على المحيط.