البيئة الضحية الصامتة... "دويرة" مشروع يسعى لإنقاذها
أضحت البيئة في السنوات الأخيرة ضحية الحروب التي دمرت البنى التحتية في الكثير من الدول، فبادرت بعض النساء للنهوض بها من خلال مشاريع عدة من بينها مشروع "دويرة" لتدوير النفايات في العراق.
رجاء حميد رشيد
العراق ـ في عالم يتسارع فيه التدهور البيئي والتحديات المتعلقة بالنفايات، تبرز المهندسة العراقية مروة أديب كقائدة ملهمة تسعى لحل الأزمات بطرق مبتكرة ومستدامة، من خلال شغفها العميق بالحفاظ على البيئة واهتمامها البارز بتدوير النفايات.
تقود مروة أديب (34) سنة مشروعاً طموحاً يهدف إلى تغيير المشهد البيئي في العراق، وتتجسد جهودها في تقديم حلول عملية ومؤثرة للتعامل مع النفايات، من خلال مشروعها المسمى "دويرة"، ولا تكتفي بتوفير حلول تقنية فحسب، بل تعمل أيضاً على نشر الوعي وتعليم المجتمع أهمية الاستدامة البيئية.
وللتعرف على المشروع والتحديات التي تواجهها، وأثر مبادراتها على البيئة والمجتمع، وكيف بإمكان التفاني والإبداع في مجال الحفاظ على البيئة أن يساهما في إحداث تغيير إيجابي ومستدام، كان لوكالتنا مع المهندسة العراقية مروة أديب، الحوار التالي:
ما الذي دفعك للتركيز على مشروع الحفاظ على البيئة وتدوير النفايات؟ هل كانت هناك تجربة شخصية أو مصدر إلهام معين؟
بدأت الفكرة بعد المشاركة في ورشة تدريبية عنوانها (القيادات الشبابية) لمناقشة المشاكل المجتمعية وتقديم أفكار وحلول لها، ومن بين مشاكل عديدة أخترت مشكلة النفايات وكيفية علاجها وذلك لعدم وجود خطط موجهة لمعالجة النفايات وإعادة تدويرها، فعدم استخدام بدائل صحية وكثرة استهلاك البلاستيك زاد من التصحر وتدهور التربة وانجرافها واستخدام الأسمدة الكيمياوية. وبعد البحث والقراءة عن المشكلة والتركيز عليها تكونت لدي فكرة المشروع لتطبيقه والعمل به.
حدثينا عن تفاصيل مشروعك في مجال تدوير النفايات؟ كيف بدأ وما هي أهدافه الرئيسية؟
ملخص المشروع هو استخدام نفايات (الورق، والكارتون، وفضلات الطعام النيئة من الفواكه والخضار، والفضلات الحيوانية والنباتية) التي تكون هي المادة الغذائية لديدان الريد ويكلر وبتوافر الظروف المناسبة من الرطوبة ودرجة حرارة (35) درجة مئوية فما دون، والظلام تتحول هذه المواد بعد هضمها من قبل الديدان بمدة لا تتجاوز 45 يوم إلى سماد عضوي (فيرمي كومبوست) مفيد جداً للتربة والنبات.
بداية المشروع كانت بسيطة بتجربة خلط هذه المواد مع التربة لمعرفة فعاليتها في حديقة صغيرة على السطح، وبعد رؤية فعالية ذلك على النباتات تعمقت في البحث أكثر وتشجعت في البدء بالمشروع بعد قبول دعمه من قبل منظمة الإغاثة الإنسانية.
ويهدف المشروع إلى توعية المجتمع عن أضرار النفايات وكيفية الاستفادة منها بتحويلها إلى مادة مفيدة، وعامل اقتصادي مهم في حال توسع المشروع وفائدة كبيرة للمناخ والبيئة لأن هذه الأسمدة عضوية تساعد على استصلاح التربة.
ما هي أبرز التحديات التي واجهتك أثناء تنفيذ هذا المشروع، وكيف تغلبت عليها؟
التحديات كثيرة من اللحظة الأولى كوني امرأة في مجتمع قليل الدعم لهذا النوع من المشاريع، ورفض الفكرة والاستهزاء بها واستحضار كل الأمثلة التي فشلت سابقاً لكي اتراجع عنها، إضافةً لقلة الدعم المادي، وصعوبة توفير المستلزمات الخاصة بالمشروع فضلاً عن صعوبة إيجاد المكان وتهيئته، وفي كل مرحلة كانت هناك الكثير من الصعوبات.
تعاملت مع التحديات بصبر ومرونة محاولة إيجاد بدائل قدر الإمكان أستطيع بها تحقيق نجاح المشروع، حيث لم يكن الأمر سهلاً أبداً حتى أنني فكرت بالتراجع من كثرة التعب والضغوط، ففي شهر تموز الساعة الثانية ظهراً وأنا أعمل لثلاثة أيام متواصلة نزلت دمعة لا إرادية وأنا أنظر إلى الأحواض وسألت نفسي لماذا أنا هنا ماذا أفعل وهل سينجح الأمر، هل أترك العمل؟ لكنني في لحظة تداركت الأفكار السلبية، ونظرت بأمل وتخيلت المستقبل بعد النجاح الباهر للمشروع، ولحظة تكريم من جهة عليا على جهودي، ابتسمت وأكملت عملي، هذه اللحظة كانت إحدى اللحظات التي مرت خلال عملي على المشروع، فأي مشروع لكي ينجح يحتاج لقوة الإرادة وانضباط ذاتي للاستمرارية بالعمل وضبط انفعالي للتعامل مع المواقف الصعبة وتشجيع من الأصدقاء الداعمين.
كيف تقيّمين الوضع الحالي لعملية تدوير النفايات في العراق، وما هي أبرز المشكلات التي تواجهها هذه العملية في البلاد؟
العراق متأخر جداً في هذا المجال وهناك عشوائية كبيرة في معالجة النفايات وإعادة تدويرها بدءاً من الاستهلاك (كمية ونوعية) وكيفية التخلص من المواد وعدم استخدام بدائل صحية وعدم وجود خطط موجهة والحاجة إلى التوعية المجتمعية عن رمي النفايات في أماكن مخصصة فضلاً عن فرزها، مع غياب الدور الحكومي، فضلاً عن سيطرة بعض المتنفذين على نوعيات معينة من النفايات وبيعها لمصالحهم الشخصية وهناك الكثير من المشكلات في هذا الملف المدمر للبيئة والمناخ وتلوث المياه والمشاكل الصحية وكثرة الأمراض.
من جهتي أعمل على فرز النفايات أولاً لمعرفة كيفية التعامل معها، واستخدام هذه الأسمدة العضوية المنتجة لتغذية التربة وبالتالي سيظهر تأثيرها البيئي الإيجابي.
كيف يمكن للأفراد والمجتمعات المحلية أن يساهموا في دعم مشاريع تدوير النفايات والحفاظ على البيئة؟
يكون ذلك من خلال تبنيهم لعادات إيجابية في الاستهلاك المتوازن للكمية والنوعية واستخدام بدائل صحية لتقليل الأثر وكيفية التعامل مع النفايات من خلال فرزها لتكون صالحة للاستخدام كمادة أولية قابلة لإعادة تدويرها واستخدام أسمدة عضوية بدل الأسمدة الكيمياوية المضرة بالتربة، والمساهمة في حملات التشجير لزيادة المساحات الخضراء.
ما دور التكنولوجيا والابتكار في تحسين فعالية مشاريع تدوير النفايات؟ وهل هناك تقنيات جديدة تنوين استخدامها في مشروعك؟
أعمل على تقديم مقترح لاستخدام حاويات ذكية تقوم بعملية فرز تلقائية وفيها مميزات كثيرة وأيضاً هناك تقنيات تكنولوجية حديثة تخص العمل مثل استخدام منظومة كونترول متكاملة تدير المكان.
كما أنني أرحب بالتعاون والشراكات مع أي جهة داعمة حكومية مركزية أو محلية أو غير حكومية، وقد تم التعاون والتسهيل في الحصول على موافقات عمل من قبل المحافظة والحصول على استشارات من كلية الزراعة ودائرة الزراعة والبلدية في محافظة ديالى، فضلاً عن الدعم المالي الذي قدمته لي منظمة الإغاثة الإنسانية والتي كانت السبب الأساسي في مساعدتي لإنشاء المشروع ضمن برنامجهم دعم الشباب اقتصادياً من خلال إنشاء مشاريع صغيرة.
ما هي خططك المستقبلية لتوسيع أو تطوير المشروع؟ وكيف تؤثر جهودك في هذا المجال على المجتمع المحلي والبيئة بشكل عام؟
هناك ثلاث مشاريع أنوي العمل عليها صديقة للبيئة أوافيكم بها فور إنجازها، وجهودي في هذا المجال سلطت الضوء عن قدرة المرأة في إنشاء وإدارة مشاريع بيئية تؤدي مستقبلاً لتغيرات إيجابية في المنطقة، مع تسليط الضوء والتوجيه حول كيفية التعامل مع النفايات وما أهمية إعادة تدويرها، كوني ناشطة مدنية ورئيسة فريق تطوعي قمت بالعديد من حملات التشجير مع الأطفال الأيتام لدمجهم في المجتمع ولتنمية أفكارهم وقدرتهم على التغيير وخلق بيئة جميلة مهما كان الظرف الذي يمرون فيه وكانت استجاباتهم رائعة ومميزة.
ما هي رسالتك للأجيال القادمة حول أهمية الاستدامة وحماية البيئة؟
قدر قيمة الحياة والنعم من حولك. توازن في استهلاكك وكن قدوة لغيرك في الحفاظ على البيئة. نحن قادرين على أن نكون أفضل فلدينا كل الموارد وأفضل المواهب وشبابنا قادر على خلق التغيير البيئي الذي سنفخر به في المستقبل القريب ليكن شعارنا العودة إلى الطبيعة ورفقاً بها لجعلها أجمل لأن البيئة هي الضحية الصامتة تتحمل الجهل وسوء التعامل بصمت.
رسالتي للنساء، أنتنَّ قادرات على قيادة التغيير مهما كانت الظروف بإمكانكن العمل بالموجود لخلق وإنشاء مشاريع ريادية ناجحة فالمرأة هي الحياة بكل معانيها.