"سيدات بيصور"... لتمكين المرأة وتحقيق التنمية الاقتصادية

منتجات غذائية طبيعية، نموذج تعاوني اجتماعي يحقق التنمية الاقتصادية ويدعم المرأة في خضم الأزمة الاقتصادية التي تشهدها لبنان

سوزان أبو سعيد
بيروت ـ
عندما نواكب نضال "سيدات بيصور" على مدى أربعة عشر عاماً، نتأكد أنه لم يكن من غريب الصدف أن يقع اختيار شركاء في مشروع "مركز الغرب للتصنيع الغذائي" على جمعية "سيدات بيصور" الخيرية الاجتماعية، لإدارة مشروع تنموي اقتصادي يستهدف المرأة وتمكينها، لما لهذه الجمعية من تاريخ إيجابي في العمل المؤسساتي منذ تأسيسها عام 2008.
 
مركز الغرب للتصنيع الغذائي
 
 
تقول رئيسة جمعية "سيدات بيصور" في "مركز الغرب للتصنيع الغذائي"، هيام ملاعب، أن "فكرة المشروع بدأت في العام 2014 باجتماع بين بلديات المنطقة واتحاد بلديات الغرب والشحار الأعلى والجمعيات في المنطقة، وكان هناك العديد من الاقتراحات، حتى رسا على تأسيس تعاونية زراعية، لعدة أسباب منها حاجة المنطقة لمشاريع تنموية، فضلاً عن وجود قطاع كبير يعمل في مجال الزراعة، إضافةً إلى وجود طاقة وإمكانيات غير مستثمرة لدى النساء".
وأوضحت أنه "تم التعاقد مع USAID، ومؤسسة كاريتاس ضمن برنامج بلدي، وكذلك مع جمعية "اليد الخضراء"، وكل من هؤلاء الشركاء تسلم جزءاً من المشروع، وكانت لنا الأولوية بإدارته، كونه يساهم في تمكين المرأة بصورة أكبر وأفضل".
وأشارت إلى أنه في "البداية تمكنا من إخراج المرأة من منزلها ليس بهدف مادي فحسب، وإنما من أجل بلورة أطر اجتماعية وتعاونية، حتى أن بعض النساء تطوعن بدون مقابل بهدف الخروج من المنزل وتخطي العزلة وتأثيرها عليهن ودمجهن في مجتمعهن بصورة إيجابية، كما وفر المشروع استقلالاً معنوياً واقتصادياً لعدد كبير منهن، وقد تم اختيار بعض النساء كونهن أرامل، أو بدون معيل، أو عدم وجود دخل لهن، وكانت مشاركتهن في هذا المشروع بداية تغيير مهم على كافة المستويات".
وعن جمعية "سيدات بيصور"، قالت "تعمل جمعية سيدات بيصور النسائية التي تأسست عام 2008، على تطوير وتمكين المرأة بشتى الطرق، والعمل على رفع مستوى أدائها الثقافي والحضاري، بالإضافة إلى تشجيع وتكريم الإعلام والمبدعين اللبنانيين من بيصور وخارجها عبر القيام بنشاطات وأمسيات ولقاءات وندوات، والعمل على تعزيز ثقافة التوأمة الثقافية مع الروابط والجمعيات والاهتمام بالصحة من خلال تأمين المساعدات، كما ونعمل على إنشاء متحف للتراث الشعبي في بيصور، ومن نشاطاتنا أيضاً الاهتمام بالبيئة والمساهمة في تعليم أبنائنا من خلال تقديم المنح الدراسية وما يلزم".
 
بداية الإنتاج
ولفتت هيام ملاعب إلى أن مرحلة التصنيع فعلياً بدأت في أيار/مايو عام 2019، "كانت ثمة تحضيرات كثيرة قبل الشروع بمرحلة العمل والإنتاج، فقد قمنا بإشراك النساء في تدريبات على التصنيع الغذائي، وحالياً يخدم المشروع 18 امرأة بشكل مباشر ومستمر، وحوالي 40 امرأة في المجمل، كون البعض منهن يعملن بشكل موسمي أو حسب الحاجة ومن منازلهن، والسبب في ذلك ما آل إليه الوضع الاقتصادي وأزمة الدولار، فضلاً عن جائحة كورونا"، مشيرةً إلى أنهم مستمرون بالعمل بالرغم من التحديات، "في هذا المجال دعمتنا "كاريتاس" خلال الشهور العشرة الأخيرة، وهي فترة قياسية حيث عادة ما تدعم الجمعيات بين 3 و6 أشهر فقط وذلك بتأمين أجور العاملات، كوننا إحدى أفضل ثلاث تعاونيات زراعية من أصل عشرة على صعيد لبنان، استطعن المتابعة والاستمرار في الإنتاج بهدف تشجيعنا على تطوير الإنتاج وإضافة منتجات جديدة".
وعن عدد المنتجات في المصنع أوضحت "بلغ عدد المنتجات ما يتجاوز الـ 40 منتجاً، منها أنواع المربيات، المخللات، المواد الغذائية المثلجة، المحفوظات من منتجات زراعية جافة وسائلة (كومبوت، مكدوس وغيرها)، والمأكولات الموسمية"، وتابعت "مثلاً في الشتاء نجهز الكبة والشيش برك والمعجنات والكعك والحلويات وغيرها، وخدمة تجهيز المأكولات المختلفة للبيوت وللمناسبات، وهناك أطعمة موسمية نحضرها فضلاً عن المشاركة في معارض بسلال المونة في الأعياد، وهي تشكل وفقاً لطلب الزبون، فضلاً عن ابتكار وتطوير منتجات جديدة".
وعن المشاكل التي تواجهها الجمعية، توضح "من أبرز الصعوبات التي تواجهنا التسويق للمنتجات بالدرجة الأولى، وتأمين مستلزمات المصنع في ظل أزمة الكهرباء، ونتابع حالياً استكمال الإجراءات الروتينية لتسجيله بشكل كامل ورسمي، كونه لا زال قيد الإنشاء".
وأشارت هيام ملاعب إلى أن "عمل الهيئة الإدارية تطوعي بالكامل ودون أي مقابل، ولكن نحرص على استمرارية إعطاء النساء مدخولاً شهرياً يساهم في تمكينهن"، وعن نشاطاتهن الأخيرة، قالت "قمنا برحلات عدة ترفيهية للنساء من كافة الأعمار، ومن بلدات أخرى، فيكفي أن تكون المرأة من بيصور لتشارك، كذلك قمنا بتحضير نشاط ترفيهي للأطفال بعد الجائحة في مركز ترفيهي محلي Medo Maze، بالإضافة إلى التحضير للمناسبة السنوية لعيد الأم، الذي تشارك فيه نساء من القرية وخصوصاً كبار السن، حيث يتم تحضير غداء سنوي مع هدايا رمزية للمناسبة".
 
استراتيجية متكاملة للتسويق
 
 
وأشارت عضو الهيئة الإدارية جمانة ملاعب إلى أن "مشروع المصنع يندرج ضمن برنامج حرفي متكامل لمنطقة عاليه في بلدة عيناب المجاورة لبلدتنا، وهو إلى جانب الإنتاج الغذائي يجمع الفنون الحرفية والتصنيع التقليدي، لأهداف عدة منها دعم الاقتصاد الدائري وتشجيع التسويق وتمكين المرأة والمزارعين وأصحاب المشاريع الصغيرة".
وأوضحت أنه "بهدف التطوير والتوسع وبسبب الجائحة اتبعنا وسيلة التسويق الإلكتروني، والاشتراك بمعارض متعددة عبر صفحتنا الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وغيرها من الطرق بتأمين منتجاتنا مباشرة إلى المستهلك، ولكننا نحاول تطوير استراتيجية متكاملة للتسويق، بالتعاون مع جمعيات أخرى، لتصريف الإنتاج وزيادته ولتحقيق المزيد من الاكتفاء الذاتي، وضم المزيد من النساء على الرغم من التحديات الكثيرة".
وأشارت إلى أنهم يتابعون بشكل مستمر الندوات الثقافية ودورات لتدريب النساء على مهارات مختلفة، مثل الكمبيوتر والتجميل والتطريز والكروشيه والدانتيل، وغيرها، فضلاً عن المساعدات الصحية في الجمعية، مثل المعدات الطبية وبصورة مجانية، مثل الكراسي النقالة والعكازات وغيرها، في حالة الجائحة، وضمن خلية الأزمة في البلدة، ساهمنا في التثقيف والتوعية الطبية خصوصاً أثناء جائحة كورونا وعلى اجراءات التباعد الاجتماعي".
وتابعت "كذلك عملنا على توفير آلات التغذية بالأوكسجين، وساهمت الأيادي البيضاء بمساعدات عينية من المغتربين وأهالي القرية، فضلاً عن مساعدات مادية وغذائية وتوفير المازوت شتاء ودعم المدرسة الرسمية وغيرها".
 
 
من جانبها قالت عضو الهيئة الإدارية هويدا ملاعب "لدينا كمية كبيرة ومتنوعة من الإنتاج، لكن التسويق يظل عقبة كبيرة وسط هذه الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وهو ما نعمل على تجاوزه بشكل كبير في هذه الفترة".
وأشارت إلى أن "كافة المنتجات يتم تجهيزها وتنظيفها وتعقيم العبوات إذ تدخل من جهة، لتخرج من جهة ثانية معلبة وجاهزة للتسويق، كما وتخضع لفحوصات مخبرية للجودة والنوعية، ما مكننا من إرسال ثمانية أصناف من منتجاتنا إلى دول الخليج".
وعن المشاريع السابقة، قالت هويدا ملاعب "شاركنا في السابق ضمن مشروع لفرز النفايات من المصدر، وبدأنا في أحياء معينة واستمرينا لفترة، ولكن هذا المشروع تخطى قدراتنا، هناك جمعيات عدة تخدم البلدة ولكننا الجمعية الوحيدة التي تجمع نساء من كافة العائلات".
 
التطوير والابتكار
 
 
وقالت المشرفة على الإنتاج في الجمعية التعاونية إنعام العريضي "لدي هواية في مجال ابتكار المواد الجديدة وتطوير الإنتاج، وقد شجعتني الجمعية، وبدأنا بتطوير منتجات جديدة، لهدفين أولهما لتنويع منتجاتنا وثانيهما تصريف انتاج المزارعين ودعمهم بشراء منتجاتهم ليمكنهم البقاء في أراضيهم ومواصلة زراعتها وعدم هجرة القرى، فقد طورنا مثلاً مربى الفلفل الذي يستخدم كغموس مع الأطعمة أو لتزيين الحلويات والمعجنات، ومربى البندورة الكرزية وهذه المنتجات من ابتكارنا، وهما نوعان لاقيا قبولاً كبيراً، لكونهما يستخدما كمربى وإضافات على أغذية متنوعة".
وأضافت "على الرغم من كل شيء لم نتوقف عن التطوير والابتكار، ومن هذه المنتجات الفريدة من نوعها بودرة الثوم والبصل العضوية 100 بالمئة والتي نستمر بإنتاجهما لكثرة الطلب عليهما، ومن المنتجات الجديدة والتي تلاقي نجاحاً منقطع النظير استخدام كل مكونات حمضيات "البوصفير" إذ نستخدم قشوره لتصنيع المربى وكذلك لتصنيع بودرة البوصفير، التي يمكن استخدامها كبديل لمادة الفانيليا الصناعية كون معظم الفانيليا في السوق مكونة من مواد كيميائية، إذ أضفى هذا المنتج نكهة فريدة للحلويات والمعجنات، واستخدمناها أيضاً في تركيب عصير مميز، وهي مادة طبيعية 100 بالمئة، فضلاً عن تطوير صبغات للمواد الغذائية من مواد طبيعية مثل بذور حمضيات البوصفير، نستخدمها في المنتجات للحصول على منتجات صحية وطبيعية بدون مواد حافظة".