صناعة الطوب الإسمنتي ملاذ نازحة في إدلب لكسب قوت يومها

رفضت كريمة الشيخ الاستسلام للواقع الصعب واستطاعت بعزيمة وإصرار مجابهة الصعوبات والعقبات، وأثبتت أن النساء قادرات على منافسة الرجال والعمل في كافة المجالات.

لينا الخطيب

إدلب ـ تحت لهيب أشعة الشمس تنشغل نازحة بإدلب في حمل الكتل الإسمنتية، وترتيبها فوق بعضها البعض، وتتحمل صعوبات العمل للإنفاق على بيتها، وإعالة أطفالها الستة الذين لم يتجاوز أكبرهم الثانية عشرة من العمر.

نزحت كريمة الشيخ (37) عاماً، من بلدة كفرنبودة في ريف حماة عام 2019 إلى مخيم على أطراف مدينة الدانا في إدلب، واضطرت للعمل في ورشة صناعة الكتل الإسمنتية متجاهلة كلام الناس الذي ينتقد عملها بمهنة قاسية ومخصصة للرجال، بهدف تربية أبنائها الستة مهما كلفها الأمر من تعب أو شقاء، وتأمين نفقاتهم، وحفظ كرامتها من العوز والحاجة.

فقالت كريمة الشيخ "بعد اعتقال زوجي ونزوحنا من بلدتنا ضاقت بي الحال، فكان علي الاختيار بين التمرد على العادات والتقاليد التي تحصر المرأة في مهن معينة، وتضعها تحت رحمة النقد والسخرية، أو تحمل الفقر الذي يهدد كياني الاجتماعي، ويحرم أطفالي من متطلبات الحياة الأساسية، فاخترت العمل بمهنة صناعة الكتل الإسمنتية رغم المشقة والتعب لكسب قوت يومي".

وأضافت "وجدت نفسي أمام مسؤوليات كبيرة، ومعاناة مضاعفة، وبحثت عن عمل يساعدني على إعالة أولادي دون فائدة، باعتباري لا أملك شهادة علمية ولا أتقن مهنة، فضاقت الحياة في نظري وزادت الهموم في صدري".

وأكدت على أنها لم تقف مكتوفة الأيدي، بل طلبت من أخيها الذي يملك ورشة لصناعة البلوك الإسمنتي العمل لديه مقابل أجر يومي، وعن ذلك تقول "تفاجأ أخي عندما طلبت منه العمل في ورشته، لكنه وافق أمام إصراري"، مضيفةً "لا شك أن العمل متعب، لكنه أفضل من مرارة العوز وانتظار المساعدات التي لا تسد الرمق ولا تغني من جوع".

ولفتت إلى أنها بالرغم من تعرضها للانتقادات والتنمر، إلا أنها لم تؤثر فيها نظرات الآخرين، وتحدت الأعراف المجتمعية، مبينةً أنها لا تهتم بإرضاء المجتمع، بل ينحصر همها في النهوض بواقع أسرتها المعيشي، وتلبية احتياجات أبنائها، مضيفةً "أنا فخورة بعملي الذي جعلني مستقلة وكفاني مذلة السؤال".

وعن طبيعة عملها أوضحت أنه "يبدأ عملي عند الساعة السادسة صباحاً ويستمر حتى الحادية عشرة، ويتضمن تشكيل خلطة من الإسمنت والرمل الأبيض، ثم أضع كمية معينة منها في قالب خاص، وأقوم بكبسها لتأخذ شكل القالب، لتصبح قطعة البلوك جاهزة، فأضعها تحت أشعة الشمس لتجف جيداً مع رشها بالماء يومياً لتكتسب صلابة وقوة".

وأشارت كريمة الشيخ إلى أن عملها لا ينتهي بمجرد عودتها إلى المنزل، حيث يقع على عاتقها عمل آخر في الطهي والتنظيف والاهتمام بشؤون أبنائها الستة، وتحاول متابعة دروسهم، متمنية أن تجد فرصة عمل أفضل، وأن تنتقل من حياة الخيام إلى منزل إسمنتي، وعن ذلك تقول "الخيمة لا ترد عنا برد الشتاء ولا حر الصيف، ونعاني من قلة المياه وانتشار الأمراض".

المرشدة الاجتماعية نورة التيزري (33) عاماً من مدينة إدلب تتحدث عن عمل النساء بمهن شاقة قائلةً "يعود تزايد عدد النساء في سوق العمل إلى فقدان المعيل لمئات الأسر فضلاً عن تزايد معدلات الفقر والبطالة".

وأشارت إلى أن الكثير من النساء فقدن أزواجهن في ظل الحرب، ولم تجدن سبيلاً لكسب الرزق سوى الانخراط بين صفوف الرجال في مهن شاقة، تحتاج الكثير من الصبر وبنية جسدية قوية، مشددةً على ضرورة تدريب النساء المعيلات على مهن، وافتتاح مشاريع صغيرة تساعدهن على تحصيل نفقات أسرهن.