نساء يحاربن الغلاء...

حالة من الأسى تعاني منها النساء في مصر بسبب ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية خلال الأشهر الثلاث الأخيرة وهو الأمر الذي زاد من أعباء الأسر

أسماء فتحي
القاهرة ـ ، وأثر على ميزانيتها المحدودة بشكل كبير فراحت بعض النساء يبحثن عن بدائل للتعامل مع الأمر في محاولة منهم للاقتصاد قدر ما يمكنهم كي لا يقعوا فريسة الفقر والاحتياج.
لمعرفة حالة الأسعار قمنا بجولة في عدد من الأسواق وهو الأمر الذي كان أكثر إيلاماً على الإطلاق، فبعض النساء آثرن شراء بقايا الطعام أو ما يعرف بـ "كسر الخضار والفاكهة بل والبيض والحبوب"، وهي منتجات من الدرجة الثانية والثالثة تترك بجوار المنتج الأكثر جودة.
وبمجرد دخول السوق الصاخب تنتابك حالة من التوتر الناتج عن ارتفاع الصوت فهناك بائع ينادي على سعر يبدو أقل نسبياً وآخر يتجادل مع إحدى النساء المحاولات تقليل ما يعلنه من مقابل لمنتجه، وهناك امرأة تصرخ في وجه بائع "السعر غالي ليه"، وجوارها نساء آثرن أن يقبعن على الأرض جالسين لبيع ما لديهن من منتجات لشراء بدائل عنها وتوفير الأموال اللازمة لسد احتياجاتهم من السلع الأخرى، وأخريات يتفحصن الأموال التي بحوزتهم لمعرفة مدى قدرتهم من شراء احتياجاتهن بالأسعار المعلنة، وهنا في الجوار امرأة عجوز تبيع بعض منتجات الألبان والبيض مفترشة الأرض وملامحها تختلط بالمرض والإجهاد.
 
ميزانية الأسرة في مواجهة الغلاء
ربة المنزل الثلاثينية شروق أحمد تؤكد أنها تحاول جاهدةً التعامل مع أزمة ارتفاع الأسعار التي طالت أغلب السلع الغذائية في البلاد في الوقت الذي يظل فيه دخل الأسرة متجمد لا زيادة فيه مما جعلها في مأزق حقيقي أمام احتياجات أسرتها، معتبرةً أن محاولة الإبقاء على صمود ميزانيتها أقرب للحرب خاصةً أن لديها طفلين في مراحل تعليم مختلفة، ولهم احتياجاتهم التي تضعها على رأس أولويات أسرتها وميزانيتها، ولا يمكن التحايل عليها كما يحدث في احتياجاتها وزوجها.
والميزانية الشخصية للأسرة في ظل الظرف الراهن المتمثل في وجود وباءٍ عالمي محفوف بالتضخم باتت مأزومة خاصةً أنها وفقاً لرواية شروق أحمد قد تحملت أعباء متطلبات "كورونا" والذي نتج عنه إضافة مستلزمات لها ومنها الكمامات والكحول والمطهرات وكلها مدخلات رفعت من حجم العبء الواقع على كاهل الأسر المصرية.
وفي سياق متصل تحدثت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية هالة السعيد، عن التضخم في بيان حكومي رسمي وأكدت أن ارتفاع معدلاته ظاهرة عالمية، مضيفةً أن ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية كواحد من توابع تأثير انتشار فيروس كورونا وما نشأ عنه من متحورات حالت دون سير الأمور بشكل منضبط حتى الآن في مختلف البلدان ومنها مصر.
ولم يقف الأمر عند ذلك بل أن وزيرة التخطيط اعتبرت أن ارتفاع السعر أمر تاريخي متكرر، عادةً يأتي في مراحل التعافي بعد الأزمات خاصةً إذا طال أمدها كما هو الحال في الوقت الراهن بالتحول من الاقتصاد المغلق تماماً إلى النشاط المرحلي المرتبط بالتعافي، وأرجعت ارتفاع الأسعار إلى تأثر سلاسل التوريد والشحن بتعثر حركة التجارة العالمية، معتبرةً أن تأثر الأسواق المحلية بهذه الأحداث أمر طبيعي.
 
محاربة الغلاء بالاستغناء... حيل النساء لتوفير سلع بديلة
"قررت أن أجد بدائل ولا أخضع لموجات الغلاء المتتالية"، شروق أحمد تؤكد أنها قررت عدم الرضوخ للأزمة القائمة وقبولها بالأمر الواقع، فبحثت عن بدائل تخرجها من تلك الأزمة وتمثلت في استغلال أوقات الرخاء "مواسم هبوط أسعار السلع" في توفير احتياجاتها الأساسية.
وأوضحت أنها على سبيل المثال تشتري كمية كبيرة من البطاطس في موسم الحصاد بعد هبوط سعرها نتيجة الوفرة وتقوم بتقطيعها وسلقها ووضعها في الفريزر لتكون جاهزة للاستخدام مستقبلاً وقتما تشاء خاصةً أوقات الغلاء، وكذلك البازلاء والفاصوليا والطماطم فهي تقوم بصناعة "الصلصة" في منزلها وتكفيها لأكثر من شهرين دون الحاجة للشراء من السوق.
ولا يتوقف الأمر عند الخضروات الطازجة فشروق أحمد التي أكدت أنها اكتسبت مهارة التخزين الموسمي من والدتها، تشتري الحبوب أيضاً وتعمل على تخزين حاجتها منها بشكل دوري وبعضها يبقى لديها عاماً كاملاً، وكذلك الزيوت واللحوم والدواجن بل والأسماك أيضاً.
وقد أكد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري في تقريره الصادر في تشرين الأول/أكتوبر الماضي أن معدل التضخم ارتفع نتيجة زيادة قدرها 6.6% في أسعار اللحوم والدواجن، ونحو 1.9% في الأسماك والمأكولات البحرية، ونحو 3.3% في البيض والألبان والجبن، ونحو 1.4% في الخبز والحبوب. 
 
الاعتماد على بقايا السلع لمواجهة موجة الغلاء
"رأيت الكثيرين في السوق يشترون بقايا الخضار الكسر وهياكل الدواجن ليتمكنوا من العيش في ظل الغلاء"، ما وصفته شروق أحمد من مشاهد استوقفتها بالأسواق لا يختلف كثيراً عما وجدناه فالبعض على حد تعبيرها يلجأ لشراء بقايا الخضار "درجة ثانية وحتى العاشرة" لأنه الأقل سعراً مقارنةً بنظيره الأعلى جودة ومرتفع السعر.
ولفتت إلى أن الوضع يتجه من السيء للأسوأ وأنها والعديد من النساء يحاولن جاهدين التحايل على أزمة ارتفاع الأسعار والبحث عن بدائل بل واضطروا للاستغناء عن تكرار طهو اللحوم أثناء الأسبوع الواحد حتى يتمكن من الادخار والتوفير في حجم الإنفاق مؤكدةً أن الشهر الذي كان يمضي بميزانية تتراوح من 1000 لـ 1500 جنيه (عملة مصر) لم يعد يكفيه الـ 2500 جنيه، وأنها والكثيرات يأتي عليهن الأيام العشر الأخيرة منه وهن يعانين من أزمة حقيقية لا يتم تجاوزها إلا بما قمن بتخزينه من سلع لأوقات الضيق والحاجة.
يأتي هذا في الوقت الذي أعلن فيه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن معدل التضخم في أيلول/سبتمبر الماضي ارتفع إلى 8% مقارنة بالشهر الذي سبقه ولم يتجاوز الـ 6.4%.
إلا أن وزير التخطيط المصرية هالة السعيد أكدت أن معدل التضخم لازال عند حد الأمان، كما أن البنك المركزي وضع معدله المستهدف عند حد الـ 7% بزيادة أو نقصان 2% في 2022.