نساء سيدي بوزيد تجتهدن لإثبات ذاتهن وتحقيق استقلالهن الاقتصادي
يعد التمكين الاقتصادي للنساء من المداخل الأساسية لإرساء المساواة بين الجنسين، حيث تسعى النساء في ظل العادات والتقاليد وقلة الإمكانيات المتاحة لتحقيق هذا المبدأ.
إخلاص حمروني
تونس ـ رفضت النساء في مدينة سيدي بوزيد بتونس الاعتماد على الزوج أو الأخ أو الأب لتلبية احتياجاتهن، لذلك قررن تعلم حرف أو إطلاق مشاريع خاصة تحقق لهن مصدر دخل ثابت.
على الرغم من أن المجتمع في مدينة سيدي بوزيد تحكمه العادات والأعراف البالية التي تنص على إلزام المرأة على البقاء في المنزل والاعتماد على زوجها أو والدها أو أخيها ليسندها ويعيلها، إلا أن النساء هناك قررن تخطي المألوف والاعتماد على ذواتهن، وواحدة منهن كانت مريم مصباحي التي عملت منذ 25 سنة في الحقول التي يملكها المزارعون في سيدي بوزيد، وكانت كغيرها من نساء المنطقة تركب شاحنات النقل الملقبة بشاحنات الموت وقد تعرضت لحوادث السير عدة مرات، كما تحملت برد الشتاء ودرجات الحرارة المرتفعة في الصيف وغياب الضمانات الصحية والاجتماعية من أجل توفير احتياجات أطفالها وتوفير إيجار المنزل الذي تقطنه رافضة ذل سؤال الأخرين، لذلك قررت في نهاية المطاف إطلاق مشروعها الخاص لتحقيق استقلالها الذاتي.
وقالت مريم مصباحي "عانيت طيلة 25 سنة من عمري بسبب الوسيط الذي كان يوفر لنا فرص العمل وينقلنا يومياً من منازلنا الى الحقول في ظروف صعبة، لقد كان يغرق الشاحنة بالمياه ليمنع النساء من الجلوس ولتبقين واقفات وبالتالي تُقل أكبر عدد ممكن من النساء في الرحلة الواحدة"، مؤكدةً أنهن تعرضن للتحرش سواء من طرف الوسيط أو الفلاح اللذان كان يفضلان ويختاران الفتاة الشابة أكثر من المرأة الكبيرة في السن للعمل.
كل هذه الظروف أجبرتها على ترك العمل والخضوع لدورات تدريبة في جمعية نسوية بمجال الفلاحة مكنتها من إطلاق مشروعها الخاص بالبيوت المكيفة "نجوت بفضل هذا المشروع من رحلات الموت في الشاحنات والتحرش"، مضيفةً "أصبح لديّ مصدر دخل خاص بيّ وقمت بإشراك عدد من النساء في المشروع، ولأنني لا أريد أن تعشن ذات المعاناة أعاملهن باحترام وتقدير، كما أوفر لهن ظروف عمل وأجور مناسبة".
وأكدت أن أوضاع النساء قبل أن تعملن معها كانت صعبة للغاية بسبب تردي ظروف النقل وتدني الأجور التي لا تكفي لتغطية متطلباتهن وعوائلهن، الأمر الذي يستوجب ضرورة إيجاد حلول لاسيما لمعضلة نقل النساء العاملات في القطاع الفلاح والعمل على رفع الأجور وأيضا تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة.
ولفتت مريم مصباحي إلى أن العمل مهما كان نوعه فهو مشرف للمرأة، كونه الوسيلة الوحيدة لتحقيق استقلالها الذاتي والاقتصادي، وحثت المرأة الريفية في سيدي بوزيد على الثقة بقدراتها أولاً والتعويل على ذاتها والعمل من أجل تحقيق ذاتها.
والعمل مشرف للمرأة لم تكن عبارة تؤمن بها مريم مصباحي فقط بل أيضاً سنية محمدي من سيدي بوزيد الحاصلة على مرتبة أستاذ باختصاص التجارة الدولية وصاحبة مشروع إعداد "البسيسة التونسية" الذي أطلقت عليه اسم "صبرة".
وعن سبب تسمية مشروع "صبرة" بهذا الاسم، قالت "هذا المشروع هو حلم راودني خلال فترة الجامعة خلال التخطيط لمشاريعيّ المستقبلية، والفكرة مستوحاة من تحضير وجبات زهيدة الثمن عندما نشعر بالجوع كوننا طلبة نحاول ادخار بعض المال، لذلك كان خيارنا الوحيد "البسيسة" أو الروينة من أقدم المأكولات التونسية التي كانت في تلك الفترة "صديقة الطلبة والمسافرين" كونها غنية بالبروتينات النباتية والألياف الطبيعية التي توفر الطاقة، كل ذلك نجده في الخليط المكون من الدقيق وزيت الزيتون والفواكه المجففة مع تحلية السكر أو العسل أو بعض حلوى الشام".
وأضافت أنه عام 2016 تمكنت من تحقيق حلمها وقامت بالإجراءات المطلوبة لافتتاح مشروعها الخاص الذي انطلقت فعلياً نشاطاته عام 2017 وأطلقت عليه اسم "صبرة" إيماناً منها بقوة المرأة وقدرتها على التحمل والصبر، وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي عانتها سواء من تعقيدات إدارية ونقص في التمويل ومشاكل عائلية إلا أنها أصرت على تطوير مشروعها لتثبت أن المرأة في سيدي بوزيد قادرة على تحمل المسؤولية والعمل والنجاح، وأنه بإمكانها التعويل على ذاتها من أجل تحقيق استقلالها المادي.
وترى سنية محمدي أن بقاء المرأة في المنزل لا يمثل الحل المناسب لمواجهة الظروف، لذلك حاولت خلق فرصة عمل تناسبها لتحقيق مصدر دخل لها، لذلك ترى أنه على كل امرأة تعلم حرفة أو صنعة والبحث عن فرصة عمل.