نازحات تواجهن مشقة العمل لإعالة أسرهن

اعتادت المرأة أن تواجه مشقة الحياة وتوفر الظروف المناسبة للعيش والاستمرار منذ الأزل، وهذا ما برهنته النساء العاملات والنازحات من طواحين الحرب اللواتي يعملن في أعمالٍ شاقةً في سبيل إعالة أسرهن

سيلفا الإبراهيم
منبج ـ .
تنتشر في مدينة منبج بشمال وشرق سوريا نظام ورشات العمال، للعمل في الزراعة والمعامل والمحلات التي تحتاج طبيعة عملها مجموعة أشخاص لإداراتها، حيث يقوم مجموعة من العمال أو العاملات بقيادة مسؤولة الورشة، تقوم بتنظيمهن وتلبي الطلبات التي يتلقونها من أصحاب المزارع والأراضي الزراعية والمحلات والمعامل، ويتم فرزهن وفق العدد المطلوب والمتوفر.
والمميز أن جل من يلتجأن لتشكيل الورشات هم النساء اللواتي اعتدن في طبيعتهن العمل بشكل تعاوني مؤمنين بان العمل الجماعي والجهود الموحدة تأتي بثمار أكثر.
 
"الورشات بات أغلب عمالها نازحين"
تقول لوكالتنا فاطمة محمد كدرو البالغة من العمر 24 عاماً وهي أم لطفل ونازحة من مدينة سري كانيه/رأس العين، عن حياتها ما قبل نزوحها قسراً عن مدينتها التي تم احتلالها في تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، "قبل أن يتم احتلال مدينتنا كانت حياتنا مستقرة خاصةً على الصعيد الاقتصادي والأمني، أما الآن فالمدينة لم تعد تصلح للعيش فيها وسط تواجد المرتزقة"، مشيرةً إلى أن رحلة النزوح من مدينتها كان له أثر كبير على حياتها لتبدأ رحلة الوقوف على قدميها من جديد "بعد نزوحنا إلى مدينة منبج تغيرت الظروف فلم يعد وضع العائلة المادي مستقراً، لذا قررت أن أساهم في تأمين دخل العائلة".
وعن طبيعة عملها في إحدى الورشات بمدينة منبج توضح "نحن نعمل هنا في الورشة نساءً ورجال إذ نقوم بنقل الأخشاب إلى المنشرة ومن المنشرة إلى الأكياس"، وعن صعوبة العمل تقول وقد سيطر عليه نبرة فيها شعور بالحسرة على ما كانت تعيشه سابقاً "ماذا نفعل؟ فهذه هي حياة النازح، نزحنا منذ عامين إثر دخول الاحتلال التركي لمدينتنا، والآن نقطن في بيوت أجرة في منبج، نحن مرغمون على العمل لدفع الآجار وإعالة الأسرة بيد أن زوجي يعمل أعمال حرة لكن لا يكفي لإعالة العائلة".
وأضافت "جميع العاملات والعمال الذي يأخذون مكانهم في الورشة نازحين، بعضهم من رأس العين والبعض الآخر من مسكنة الريف الشرقي لمدينة حلب، يتراوح عددنا ما بين 5 ـ 6 عمال جمعتنا ظروف الحرب والنزوح تحت سقف هذه الورشة".
ولفتت إلى أن ورشتهم ليست الوحيدة في المدينة التي تضم بين عمالها نازحين "هناك الكثير من الورشات لا تختلف قصة عمالها عن قصص عمال ورشتنا، فجميع العمال والعاملات نتيجة الظروف المعيشية الصعبة يلجؤون للعمل ضمن الورشات، ورشتنا لا تعمل ضمن مدينة منبج فقط بل في حال جاءها طلب عمل في أي مكان سواء كان في الزراعة أو في المعامل تلبي الطلب حتى لو كان خارج المدينة"، وعن الأجر اليومي الذي يتقاضونه مقابل عملهن تقول "نتقاضى في اليوم الواحد 7 آلاف ليرة سورية، إنه مبلغ غير كافي لتلبية مستلزمات العائلة الضرورية في ظل ارتفاع الأسعار".
وأوضحت أنهم يواجهون العديد من الصعوبات "العمل في الحطب صعب بالنسبة للمرأة بسبب ثقل وزنه لكن حاجتها تدفعها لخوض أي صعوبة ولكن في مقاومتها سعادة ولذة، فالمرأة باستطاعتها العمل في جميع مجالات العمل مهما كانت صعبة فقط لتوفير الدخل اللازم لعائلاتها".
ولا تختلف قصة العاملة في إحدى الورشات ترفة سليمان البالغة من العمر 46 عاماً وهي أم لـ 4 أولاد وابنة واحدة، ونازحة من مدينة سري كانيه/رأس العين، تعمل في محل للفحم إذ تقوم بوضع الفحم في الأكياس وترتيبها منذ حوالي 7 أشهر، "سابقاً كنت أعمل في البساتين ومنذ 7 أشهر أعمل في محل للفحم، فإذا لم يتوفر العمل لدى الورشة اضطر للعمل بمفردي لعدم توفر فرص عمل كثيرة للورشات".
ودوافعها للعمل لا يختلف عن سابقتها "اعمل هنا لإعالة أسرتي، فبعد اعتقال زوجي منذ حوالي 9 سنوات تضاعفت المسؤوليات التي تقع على كاهلي من إعالة الأسرة وتأمين قوتها اليومي وتربية الأطفال، خاصةً وأن الأجر الذ أتقاضاه عن عملي اليومي لا يتجاوز الـ 6 آلاف ليرة سورية، فهو أجر قليل جداً بالنسبة لعائلة مكونة من 5 أشخاص في ظل الاحتكار الذي يشهده السوق".
وتتحدث ترفة سليمان عن صعوبة الحياة "عندما كنت في الثانية عشرة من عمري خضت تجربتي الأولى في تحمل مسؤولية العائلة عندما توفي والداي،  فقد تحملت رعاية أخواتي الصغار حتى كبروا"، موضحةً "العبرة التي اقتبستها من حياتي أنه على الإنسان المقاومة مهما كانت الظروف التي يمر بها قاسية للاستمرار بالحياة التي يكمن جمالها بالكفاح في ظل الحزن والفرح".
 
"رغم مشقة العمل إلا أنه يعد ملاذاً آمناً"
تقول العاملة عائشة خلف كدرو البالغة من العمر 28 عاماً، وهي أم لأربعة أطفال نازحة من مدينة سري كانيه/رأس العين "نعمل معاً ضمن ورشة العمال في محل للحطب، كل منا يقع على عاتقه مهام مختلفة عن الآخر، فهناك من ينظم الحطب ومن يقطعه والبعض الآخر يأخذها للمنشرة".
وأضافت "الظروف المعيشية دفعت المرأة بالعمل في الكثير من مجالات وتعد خطوة جيدة بأن تعمل خارج المنزل في سبيل إعالة أسرتها، فبالرغم من أن العمل في محل الحطب بطبيعته صعب جداً كحمله وتقطيعه إلى قطع متوسطة الحجم وأتقاضى أجراً يومي قليل يصل إلى حوالي 8 آلاف ليرة سورية، إلا الظروف المادية دفعتني للعمل بها للمشاركة في إعالة أسرتي وتأمين قوتها اليومي"، مؤكدةً على أن "المرأة بمقدورها العمل في أي مكان مهما كان فهي دائماً ما تحاول كسب تجارب الحياة والتعرف على محيطها".
وعن سبب عدم عودتهم إلى مدينتها تقول "رغم مشقة العمل هنا إلا أننا نشعر بالأمان والراحة والاستقرار، فلم يعد يتوفر أي شيء في مدينة سري كانيه بعد دخول الاحتلال التركي إليها سواء على صعيد الخدمي أو الأمني".
وفي ظل ارتفاع الأسعار وتدهور الوضع الاقتصادي يلجئ جل الأهالي وعلى وجه الخصوص النازحين القاطنين أغلبهم في مخيم منبج الشرقي الكائن في قرية رسم الأخضر جنوب شرق المدينة، للعمل ضمن ورشات العمال التي تضم معظمها نحو 5 إلى 8 أشخاص تستلم أعمال مياومة.