مكانس القش... مهنة ما تزال حاضرة في إدلب تمتهنها نازحات ومعيلات
تشتهر إدلب بصناعة مكانس القش منذ زمن طويل، وهي المهنة التي غدت مصدر رزق العديد من النساء المعيلات في ظل الفقر والنزوح وانعدام فرص العمل
سهير الإدلبي
إدلب ـ .
قالت شفاء البرهان (٤٠) عاماً وهي نازحة من بلدة معيشورين بريف إدلب الجنوبي ومقيمة في مخيمات كفر يحمول إنها تعتمد على صناعة مكانس القش في تأمين قوت عائلتها، حيث ورثت المهنة عن أمها وجدتها اللتان كانتا من أمهر صانعات مكانس القش في قريتها التي تشتهر بالزراعة، ويتم تأمين المواد الخام كلها محلياً فلا تضطر النساء لشراء أعواد المكنس التي تزرعنها في الأراضي لصنعها وبيعها.
وتبين أن الظروف لم تعد كما السابق حيث خسرت موردها المحلي بعد أن اضطرت للنزوح إبان العمليات العسكرية الأخيرة التي أفضت لسيطرة قوات النظام على المنطقة ما حال دون عودة أهلها إليها.
وعن تفاصيل هذه الصناعة التراثية تشرح شفاء البرهان أنها مهنة بحاحة للكثير من المهارة والدقة والفن، وتبدأ بعد جني مواسم المكنس في نهاية الصيف وتستمر طيلة فصل الشتاء.
يتم تنظيف أعواد المكنس من الأوراق والبذور التي تعلق بها عن طريق تمشيطها بشكل جيد، ليتم تجفيفها تحت أشعة الشمس لمدة أسبوع ثم تبدأ عملية التصنيع بنقع أعواد المكنس في المياه لمدة قصيرة ريثما يتم تليينها وتطويعها والتحكم بها.
وتُجمع الأعواد مع بعضها ضمن حزم متساوية العدد ثم تقص من الأسفل لتصبح متساوية الطول، ثم يتم شدها بواسطة حبال بلاستيكية متينة.
وتشير شفاء البرهان إلى أن صناعة القش هي صناعة يدوية ولا تحتاج سوى لمعدات بسيطة أهمها المواد الخام وقطعة خشبية يربط على رأسها سلكاً معدنياً وتشد مجموعة القش عليها لتربط وتشد بشكل جيد عدة مرات لتعطي شكل المكنسة بمظهرها النهائي بعد خياطتها بشكل محكم.
عاد الطلب على مكانس القش مؤخراً في إدلب بشكل أكبر بعد غياب الكهرباء عن معظم أنحاء المحافظة ما دفع الأهالي للاستغناء عن المكانس الكهربائية والعودة لمكانس القش مجدداً.
تبدع روان الصادق (٣٢) عاماً وهي من قرية كفروما بصناعة مكانس القش في المصنع البسيط القريب من المخيم الذي تقيم فيه في سرمدا، ويعتبر عملها بهذا المجال العمود الفقري في مواجهة ظروف حياتها الصعبة بعد افتقارها المعيل إثر تعرض زوجها للاعتقال على أحد حواجز النظام منذ أواخر عام ٢٠١٦، ومنذ ذلك التاريخ تعتمد على مهنة صناعة مكانس القش في تأمين دخل تنفقه على أطفالها الثلاثة.
تقول "أحب مهنة صناعة المكانس التي تعلمتها وأتقنتها بعد عجزي عن إيجاد وظيفة ما، فهي لا تحتاج الكثير من الوقت لتعلمها وتعود علي بدخل يغنيني".
تحصل روان الصادق على مبلغ ٥ ليرات تركية على كل مكنسة تصنعها وهي تصنع في اليوم الواحد عشر مكانس بمبلغ ٥٠ ليرة تركية، وتتدبر أمورها بهذا المبلغ في جلب احتياجات أبنائها الأساسية.
عدم ديمومة المهنة طيلة العام تعتبر من أكثر الصعوبات التي تواجهها، فهي مضطرة لإيجاد عمل آخر بعد توقف موسم صناعة المكانس التي تنحصر بوقت محدد في كل عام.
من جانبها أوضحت صبحية الرحال (٤٥) عاماً وهي مالكة لإحدى ورشات صناعة مكانس القش في المنطقة أن هذه المهنة حققت فرصة عمل للكثير من المعيلات في مواجهة ظروف حياتهن المأساوية وهي إن لم تكن بتلك الأهمية فهي تؤمن للعاملات فيها ما يسد الرمق.
وتؤكد أن الإقبال على شراء مكانس القش جيد من قبل الأهالي ويتم بيع إنتاجها بأكمله في السوق المحلية ولا زالت مكانس القش الرائدة رغم منافسة المكانس البلاستيكية لها، لجودتها وثقة الأهالي بها كأداة ممتازة للتنظيف المنزلي وإزالة الغبار من السجاد والأرضيات.
لا تنكر صبحية الرحال أن هذه المهنة من المهن الشاقة والصعبة لأنها تتطلب الجلوس والعمل لساعات طويلة ما يسبب آلام في الظهر والقدمين لكن "تلك الآلام تبقى لا شيء أمام الظروف القاهرة التي تعيشها النساء مؤخراً وسط الفقر وصعوبة الحياة".
ورغم كل ما يواجه عمل المرأة في إدلب من تحديات فقد أظهرت وما زالت تظهر شجاعة وصبراً في مواجهة كل الظروف، ولم تفقد شجاعتها وأملها الدائم بغد أفضل.