لتأمين قوت يومها... أربعينية تعمل على تلميع الأواني المعدنية

بالعزيمة والإصرار تتمكن المرأة من تحقيق استقلالها الذاتي، وهي العبرة التي سارت على خطاها رائدة الحسن لتفتتح مشروعها الخاص.

يسرى الأحمد

الرقة ـ لم تعر الاهتمام لأقوال من حولها في المجتمع، متحدية كافة الصعوبات منها النظرة النمطية للمرأة، لتسعى جاهدة من خلال مشروعها الصغير أن تعيل أطفالها.

تشتهر مدينة الرقة بشمال وشرق سوريا بتنوع مشاريعها النسوية الصغيرة خاصةً في الآونة الأخيرة، حيث برزت نساء تتقن العديد من المهن والحرف، وتستفدن منها في تأمين مصدر رزقهن لإعالة أنفسهن وعائلاتهن بعد فقدان المعيل.

تقول رائدة الحسن البالغة من العمر 40 عاماً وهي أم لثلاثة أطفال، أنها نزحت من مدينة دمشق منذ ثماني سنوات، وأجبرت على إعالة أطفالها بعد وفاة زوجها "بعد فقدان أثر زوجي لمدة عامين في بداية الأزمة السورية، جاءنا نبأ وفاته، لذا قررت الاعتماد على ذاتي، والبدء بالعمل، لتأمين قوت عائلتي ومستلزمات المنزل".

قامت رائدة الحسن بافتتاح مشروعها الخاص لكيلا تطلب المساعدة من أي شخص، مشيرةً إلى أنها وأطفالها الثلاثة يعملون على تلميع الأواني المعدنية "لقد تعلمت هذه المهنة من زوجي، فعندما كان يعمل على تلميع الأواني كنت أساعده، وهكذا اكتسبت الخبرة".

وأضافت "في البداية كنت أتجول مع أطفالي في شوارع وأزقة المدينة والأرياف وأنا أقود الطريزينة، ونطرق الأبواب ونسأل إن كانوا يريدون تلميع الأواني، رغم حر الصيف وبرد الشتاء"، وبالطبع ليس هناك أي عمل دون صعوبات أو معاناة خاصة في مدينة عاشت قرابة الثلاثة سنوات في ظل سيطرة داعش "في البداية عندما افتتحت المشروع تلقيت آراء سلبية كثيرة ولكني لم استسلم أو اتوانى عما أفعله، واستمريت وتحديت كل من حولي لم آبه لنظرة المجتمع الدونية لأنه لو توقفت عن العمل لن يقدم أي أحد المساعدة لأطفالي، فدائماً ما ينظر للمرأة على إنها ضعيفة وغير قادرة ومن المعيب أن تقوم بعمل الرجال".

وأوضحت أنها تقوم في المعمل بتلميع الأواني والأطباق المعدنية والأباريق والدلال المصنوعة من مادة الكروم، وذلك باستخدام آلة كهربائية خاصة بتلميع الأواني المنزلية تسمى "الربابة".

كما تعمل في اللحام، وحول آلية العمل تقول "تمر عملية تلحيم الأواني المثقوبة والمكسورة، بثلاث مراحل، الأولى تأمين المواد التي تدخل في عملية التلحيم وهي الرصاص والحشو، ومن ثم يتم خلطهما معاً، وأخيراً توضع على النار"، مشيرةً إلى أنه يجب أن تكون الحرارة مرتفعة جداً حتى تنصهر المواد وتختلط مع بعضها، ثم توضع على المكان المطلوب لتلحيمه وانتظار المادة حتى تبرد لتتشكل وصلة اللحام.

وتتزايد طلبات العمل على رائدة الحسن في فصل الشتاء كون الأهالي يستخدمون المدافئ كما تقول، لافتةً إلى أن ما تحصل عليه مقابل عملها بالكاد يكفيها لتأمين مستلزمات أطفالها "أبذل قصارى جهدي وأعمل طيلة اليوم في سبيل إعالة أسرتي".

وعن المشاكل الصحية التي بدأت تعاني منها بسبب عملها تقول "لدي الكثير من آثار الحروق والجروح في يدي كوني لا أستطيع استخدام القفازات أثناء عملي بحرق المدافئ والبوابير بالنار، إضافة إلى رائحة النار والمواد الكيميائية مثل الكلور الذي ينبعث أثناء التنظيف".

وعما تواجهه من صعوبات في سيرورة العمل أشارت إلى إن "انقطاع الكهرباء المتكرر يبطء من عملي وسرعة الانتهاء منه، كون العمل بحاجة دائمة إلى كهرباء لتشغيل آلة "الربابة"، لذلك أقوم بالبحث جاهدةً عن مكان يتواجد فيه كهرباء، وفي بعض الأحيان أقوم بالتنقل بين الأحياء والمنازل من أجل البحث عن كهرباء لتشغيل الآلات الكهربائية الخاصة بتلميع الأواني"، موضحةً أن "عملية تلميع الأواني على الآلة الكهربائية "الربابة" تتطلب الانتباه جيداً، فقد يؤذي نفسه من ليس لديه خبرة، يجب أن تكون هناك دقة وتركيز".

وأكدت على ضرورة أن "تكون المرأة ذات إرادة قوية وفكر حر، وألا تستلم بسهولة مهما كلفها الأمر، وتعتمد على ذاتها وتعمل لكيلا تكون بحاجة إلى أحد، فهي قادرة على أن تكون مصدر قوة وإلهام وقدوة للنساء من حولها والتأثير بهن".

ودعت جميع النساء وخاصة النازحات للانخراط في كافة مجالات العمل وأن تدرك أهمية دورها في المجتمع "لدي حب وشغف كبير تجاه عملي، وسعيدة جداً بامتلاكي هذا المشروع الصغير الذي يعد مصدر رزق لي لتأمين احتياجات ومستلزمات أطفالي".