جميلة محمد... أول عاملة في معمل الطوب

في نظام السلطة، تم التفريق بين عمل الرجل والمرأة، وقد أظهر هذا النظام أن شخصية المرأة ضعيفة وعملها الوحيد هو المنزل وتربية الأطفال

جميلة محمد البالغة من العمر 32 عاماً عملت بيديها وأصابعها الرقيقة وقامت بالكثير من الأعمال المنزلية والزراعة في الحقول حتى أنها بذلت جهداً كبيراً في معمل الطوب (البلوك)، وأصبحت خبيرة في صنع الطوب جنباً إلى جنب زوجها. وتقول "العمل الذي أقوم به شاق وصعب للغاية ولا يستطيع الجميع القيام به، ولكن بدافع الحب والرغبة في مساعدة زوجي، تجاوزت كل الصعوبات وأقوم بهذا العمل بكل فخر منذ 4 سنوات".

سوركل شيخو

الحسكة - في نظام السلطة، تم التفريق بين عمل الرجل والمرأة، وقد أظهر هذا النظام أن شخصية المرأة ضعيفة وعملها الوحيد هو المنزل وتربية الأطفال، وأن الرجل هو من يقوم بالأعمال الصعبة والشاقة. لكن كانت هناك نساء رفضن هذا النظام ولم يقبلن به. ففي الشرق الأوسط لا تختار النساء القيام بأعمال الذكور، والنساء اللواتي يقمن بعمل شاق في الخارج أمام أعين الناس يتعرضن للتهديد والمضايقة، وبعضهن يضطر إلى ترك وظائفهن.

في شمال وشرق سوريا، وجدنا العديد من معامل الطوب وكان كل من يعملون فيها من الرجال. فالرجل هو من يحمل المجرفة، ويخلط الاسمنت ويصنع الطوب. وعلى الرغم من بحثنا حتى الآن عبر المدن والقرى لم نشهد نساء يقمن بنفس العمل. ولكن بعد سماع اسم جميلة محمد ذهبنا للبحث عن هوية هذه المرأة، ومن هي ومن أين؟ بعد بحث دام شهرين تمكنا أخيراً من الوصول إليها.

جميلة محمد البالغة من العمر 32 عاماً، من قرية رقوبة الواقعة على بعد 3 كيلومترات جنوب منطقة تل تمر في مقاطعة الحسكة بشمال شرق سوريا. جميلة كما يوحي اسمها جميلة جداً ومرحة. وافقت جميلة التي رحبت بنا بحرارة ووجه باسم على طلبنا في إجراء لقاء معها وتقديم خبرتها لنساء المنطقة والعالم.

جميلة محمد وزوجها يعملان في معمل لصنع الطوب على الطريق بين تل تمر والحسكة منذ ساعات الفجر حتى غروب الشمس. تحدثت جميلة وشاركتنا رحلة خبرتها منذ 4 سنوات.

 

"أنا موجودة، إذاً لماذا سيحتاج إلى عامل؟"

عن الأعمال التي كانت تقوم بها في القرية قالت جميلة محمد "لقد كنت أقوم بأعمال كثيرة في القرية، من الأعمال المنزلية إلى زراعة القطن والقمح وبساتين الخضار الموسمية. ولكن بعد تراجع زراعة القطن، قررت مساعدة زوجي، فهو لا يستطيع تحمل أعباء ومسؤوليات المنزل لوحده، لأن عائلتنا تتكون من ثمانية أفراد. لدى زوجي مصنع يعمل فيه منذ حوالي 4 سنوات. في البداية كان شقيقه يساعده، ولكن بعد مغادرة شقيقه، فكر في تعيين عامل لكنني رفضت ذلك وقلت أنا موجودة، لماذا تحتاج إلى عامل؟ إذا عمل المرء بكده وعرق جبينه أفضل له من توظيف عامل".

 

"لقد كان يشعر بالخجل من نظرة المجتمع، لكنني اقنعته بالعمل معاً"

وعن رأي زوجها وموقفه من عملها معه أوضحت "بعد أن أطلعت زوجي على رأيي، رفض في البداية ولم يقبل بأن أعمل. لقد شعر بالخجل من نظرة وانتقادات مجتمعنا الشرقي الذي يعيش بالذهنية الأبوية حتى الآن، وخشي أن يقولوا له لماذا تعمل زوجتك معك، فمعملكم على الطريق العام والجميع ينظر إليها. لكنني أجبرته على القبول، لأنني أعرف الحالة التي نمر بها ووضعنا المعيشي وأعرف ما نحتاج إليه، ويومنا الراهن يؤكد صحة كلامي هذا. لدينا 6 أطفال، ومهما حاولت أنهم أطفال ولديهم أيضاً احتياجات ومتطلبات، لذلك كان يجب علينا نحن الاثنين العمل جنباً إلى جنب".

 

"في المرة الأولى كسرت 5-6 طوبة فتوقفت! لكنني حاولت مرة أخرى ونجحت"

تذكرت جميلة محمد تجربتها الأولى في المعمل وقالت "في البداية عندما أحضرت لزوجي الطعام والشاي من المنزل إلى المعمل، انتبهت لكيفية العمل وكيف يصنع الطوب. نعم، إنه عمل شاق وصعب للغاية، ويتطلب قوة كبيرة. وعندما ننتهي من عملنا ونعود إلى المنزل ننام مثل الموتى. صحيح أنه لدينا معمل لصنع الطوب، لكن منزلنا لا يزال مبنياً من اللبن. لا نستطيع بناء منزلنا من جديد. في بعض الأحيان أقوم بخلط الاسمنت والنحاتة معاً، وهو يقوم بصنع وتقطيع الطوب، وبالعكس. وعندما لا يكون زوجي موجوداً، أقوم بخلط الاسمنت وصنع وتقطيع الطوب بمفردي. أن هذا العمل يتطلب شخصين، ومثلما يكمل الزوج والزوجة بعضهما البعض، كذلك في المعمل نكمل بعضنا البعض. فشخص واحد فقط لا يستطيع صنع عدد كبير من الطوب. في المرة الأولى التي بدأت فيها، لم أكن أعرف وكسرت أكثر من 5 إلى 6 طوبة، وقتها قلت لنفسي لن أعمل بعد الآن. لكن بعدها حاولت مرة أخرى وقلت ربما في المرة الأولى سأكسرها وأخطأ لكن بالتأكيد سأنجح في المرة الثانية، وبالفعل كان كذلك".

 

"أنه عمل شاق، لكنه أفضل من القيام بالسرقة"

أوضحت جميلة محمد إنهم يخرجون من المنزل عند الفجر ويتوجهون إلى المعمل "أستيقظ أنا وزوجي عند الفجر، ونجهز أنفسنا ونرتدي ملابس العمل ونأتي إلى المعمل بوجه باسم. نعمل أكثر من 11 ساعة في اليوم. نتناول طعام الغداء في المعمل أحيانا وأحياناً أخرى في المنزل. إنه عمل شاق جداً قد يكون عادياً بالنسبة للرجال ولكنه صعب على النساء، وهو كذلك بالنسبة لي، لكن لا يوجد شيء صعب عندما تكون هناك رغبة. فالقيام بهذا العمل الشاق أفضل من أن نقوم بالسرقة أو القيام بأشياء سيئة. الآن أيضاً يوجد عمل والأهالي يقومون بأعمال البناء وتحسن الوضع قليلاً. على الرغم من ارتفاع أسعار المواد التي تصنع منها الطوب ولكن معدل بناء المساكن قد تحسن".

 

"رأي المجتمع: أنت قدوة لنا"

وحول نظرة المجتمع لها قالت جميلة محمد "عندما يمر الناس بجانبنا ويرونني أعمل، فإنهم يشكرونني من أعماق قلوبهم ويقولون؛ أنت قدوة لنا. تعمل النساء في هذه القرية أيضاً، ولكن ليس كالعمل الذي أقوم به. فهم يعملن في الحقول، وأنا أعمل في معمل الطوب. لم أرى أو أسمع أن امرأة أخرى تعمل في هذا العمل مثلي، لذا فأنا أول امرأة تعمل في معمل الطوب".