جملات بصل... من كسب المال إلى كسب الثقة
في مشغلها الصغير تنهي جملات بصل البالغة من العمر 53 عاماً، خياطة ذلك الفستان الذي بدأته منذ عدة أيام لتطمئن وهي تنظر إلى الصورة التي حفظتها على هاتفها الذكي أنه صورة طبق الأصل من نسخته المصورة بجميع ما يتخلله من تفاصيل
رفيف اسليم
غزة ـ ، فمهنتها في خياطة جميع أنواع الألبسة منذ عشرات السنين فتحت لها باب رزق واسع، وجعلتها ذات سيط ذائع بين زبائنها في قطاع غزة.
تترك جملات بصل آلة الخياطة لتتحدث لوكالتنا وكالة أنباء المرأة عن قصتها مع مهنة الخياطة التي بدأتها عندما كانت طفلة صغيرة لا تتجاوز الثانية عشرة من عمرها، أثناء مساعدتها لوالدتها في خياطة الأقمشة التي منحتها الكثير من الخبرة كأخذ مقاسات بـ "الشبر"، وكيفية استعمال آلات الخياطة، مكملةً أنها عندما أتمت الثالثة عشر من عمرها كانت متقنة تقصير الملابس وحياكتها وترقيع التالف منها، عدا خياطة فساتين المناسبات للسيدات.
قديماً لم تكن العائلات الفلسطينية تهتم بإكمال الفتاة تعليمها كما اليوم وهو ما تؤكد عليه جملات بصل، لذلك زوجتها والدتها لخياط وهي بنت الرابعة عشر فقط، وكان شرطه الوحيد ألا تعمل زوجته في مجال الخياطة، ملفتةً أن صغر سنها في ذلك الوقت لم يعطيها القدرة لاتخاذ القرار المناسب فوجدت نفسها متزوجة من رجل ذا طباع صعبة، لكنها بقيت تذهب لمساعدة والدتها خلسة في مشغلها أثناء تواجده بالعمل.
إن تأخرها في الإنجاب لمدة أعوام ساعدها على اكتساب الخبرة في الخياطة من خلال التجربة والخطأ، تقول إنها كانت تتدارك ذلك بتشجيع والدتها لها ومساعدتها على إصلاح أي عطب قد يحدث، في سبيل أن تتعلم هي تلك المهنة التي تشكل مصدر دخل جيد لأي امرأة، خاصة إذا ما كانت تتقن فنون معينة تميزها عن غيرها من العاملين في مجال الخياطة، ملفتةً أنها ممتنة لوالدتها لأنها السبب فيما وصلت إليه اليوم.
وتلفت جملات بصل أنها ذات يوم عندما كانت تجلس لوحدها في مشغل والدتها أثناء عمل زوجها، دخلت عليها إحدى صديقات والدتها طالبة منها أن تخيط لها فستان ذاع صيت تصميمه بين النساء في ذلك الوقت، لكن عندما رفضت طلبها خوفاً من ألا يظهر كما تريد، عرضت عليها الزبونة أن تجلب لها القماش دون دفع أجرتها بالخياطة مع رضاها التام بالنتيجة أياً كانت، فوافقت جملات.
تبتسم جملات بصل وهي تقول إنه عندما أنهت خياطة الفستان كان أجمل من التصميم الأصلي وأن صاحبته التي تسكن في منطقة ذات كثافة سكانية عالية في إحدى مناطق قطاع غزة ارتدته وذهبت به لأحد الأفراح، ملفتة أن ذلك الأمر حقق لها شهرة واسعة وأصبحت النساء يأتين إليها لخياطة تصاميم مختلفة من فساتين السهرة.
تشير جملات بصل إلى إحدى فساتين السهرة لتفتح صورته عبر موقع لبيع الملابس إلكترونياً، تقول "350 دولاراً ثمنه الأصلي فيما أنجزته أنا بما يقارب الـ 150 دولاراً فقط، لترتديه صاحبته في إحدى مناسباتها"، مكملة أن صراحتها له الدور الأكبر في نجاحها فهي لا تقول عن أي تصميم سواء (فستان، تنورة، بنطال، سترة...) إذا ما كان غريب وصعب أنها تجيد خياطته وهي لا تعرف.
وبالعودة إلى زوجها تقول جملات بصل أنها فيما بعد استطاعت إنجاب العديد من الأبناء لكن بقي زوجها بنفس تشدده رغم ضيق الحال، فكان من الصعب إقناعه بأن تعمل زوجته وتساعده، مشيرةً أن فقدانها لابنها عام 2014، كان له دور في تقبل زوجها لعملها في سبيل إخراجها من حالتها النفسية السيئة فأهداها عدد من ماكينات الخياطة لتبدأ بالعمل في مشغلها الخاص بمنزلها.
ثلاث ماكينات في مشغل جملات بصل تعود إلى الثمانينات وموديلات يتم تنفيذها اليوم بآلات خياطة متطورة هذا ما يشكل التحدي بالنسبة لها حسب قولها، مضيفة أن تعلمها للعديد من الحيل والأسس الصحيحة للخياطة ساعدها في التغلب على ذلك، إضافة لإنهائها نصف القطعة في مشغلها والنصف الآخر في مشغل خياطة أكثر تطوراً حسب ما تحتاج قطعة الملابس من إمكانيات لإنهائها كالقطب والعراوي أو حياكة الصوف.
لا تنكر جملات بصل أنه يحدث أحياناً مشكلة مع الزبائن خاصة العشرينات منهن اللواتي ينفرن عندما يشاهدن أي اختلاف أحدثته بالتصميم ليناسب شكل جسمهن، مشيرةً أنها تحاول في البداية التفاهم معهن وإن لم يقتنعن تدفع هي ثمن قطعة القماش وتتحمل الخسائر كاملة لأنها وجهتها تحولت مع السنوات من كسب المال إلى كسب ثقة ورضاء الزبائن وهذا ما يجعلها محبوبة بينهم مما جعلهم ينادونها بالخالة "أم علي".
تؤكد جملات بصل أنها فخورة بما وصلت إليه اليوم بالرغم من كثرة الصعوبات التي واجهتها خلال رحلتها في مهنة الخياطة على حد وصفها، ووجهت رسالة لكافة الفتيات بأن يعملن على تعلم أي مهنة كانت إلى جانب الشهادة الجامعية لتجنب طلب المال من أي أحد إذا لم يتمكن من إيجاد وظيفة مناسبة لهن.