حياكة الصَّوف بين العمل اليدويَّ والتّطور التّقني
يدعم وقفة المرأة الحرة في سوريا المشاريع الخاصة بالنساء، ويساهم في توظيف التّكنولوجيا الحديثة لتمكينهنّ وإبراز قدراتهن من خلال عدة مشاريع يعملن بها كحياكة الصوف والملابس
سيلين محمد
قامشلوـ .
تطور فن حياكة الصّوف في العالم، ولأن العمل اليّدوي رغم دقة صنعه وجماليته لم يعد يلبي حاجات التّطور الصّناعي، دخلت التّقانة على شكل آلة التّريكو لهذا المجال لإبداع قطع صوفية متنوعة وجميلة، وكان للمرأة في شمال وشرق سوريا حصةٌ في العمل على هذه الآلة وتعلمها.
منذ ثورة روج آفا في تموز/يوليو 2012، عملت المؤسسات النسائية التي نشطت بشكل كبير على دعم المشاريع النسائية، وكان الدور الأبرز لـ "وقفة المرأة الحرة في سوريا"، في تمكينهنَّ اقتصادياً إيماناً بضرورة الاستقلال الاقتصادي للمرأة كونه خطوة مهمة نحو التحرر وامتلاكها الرأي والقرار.
وتقدم وقفة المرأة الحرة منذ افتتاحها عام 2014، الدعم للنساء من خلال افتتاح دورات تدريبية للتمريض والخياطة والتزيين وغيرها، بهدف تطوير المجتمع بشكل ديمقراطي.
تقول العضوة في وقفة المرأة الحرة بمدينة قامشلو وضحة ناصر (25) عاماً، والتي تعمل منذ ثلاث أشهر على آلة التّريكو، "تعلمتُ على هذه الآلة منذ ستة أعوام في معهد السَّلام التَّابع للهلال الأحمر السَّوري، واستمرت دورتي التّدريبيَّة شهرين على التَّوالي".
وتراوحت أعمار المنضمات للدورة من الـ 18 عاماً وما فوق "كان هنالك نساء كبيرات في السَّن يتعلمنّ، ولأن عددنا كان كبيراً قسمونا لمجموعتين". ضمت الدَّورة التدريبية 40 امرأة "بعد تعلمنا، عملنا في جمعية البَّر التابعة لليونسيف بعقد لمدة ستة أشهر في عامي 2018 و2019، بصناعة السَّترات، والقبعات، وأطقم البيجامات".
وافتتحت دورات لمجموعتين من النّساء، والحديث لوضحة ناصر التي أوضحت أنها أحبت الصوف منذ كانت طالبة في المدرسة "بعد انتهاء العقد مع منظمة البر قمت ومن كنّ معي، بشراء آلتي تريكو، وعلمت الفتيات لمدة شهرين على الآلة، وحياكة الصَّوف، والعمل بالمخرز، وعملنا على صناعة مقلمات وجوارب وعدة قطع بالصَّوف".
ومع افتتاح وقفة المرأة الحرة في سوريا تحت شعار "المرأة الحرة أساس المجتمع الحر"، بدأت بجمع القدرات النّسوية وافتتاح مشاريع خاصة، وتضيف وضحة ناصر "قدمنا طلبات في العديد من المؤسسات، إلا أننا لم نلقى استجابة، إلى أن دعم وقفة المرأة الحرة مشروعنا، والذي بدأناه منذ ثلاث أشهر، وبثلاث نساء".
وعن عملها تقول وضحة ناصر "صنعت الملابس الصّوفيّة، والحقائب، أغلب الطَّلبات التي تردنا هي للمقلمات المدرسية، التي نحيكها على المكنة ونزينها ونطرزها بأيدينا، ونسبة البيع جيدة والآن لا توجد إلا مكنة واحدة تعمل في المشغل لأننا في فصل الصّيف وليس هناك طلبات كثيرة، ينتشر هذا العمل بكثرة في فصل الشَّتاء".
وتجلب وضحة ناصر مستلزمات عملها كالصّوف من محال في السّوق، ويتنوع فهناك "العادي، والمقصب"، ولكن المكنة لا تعمل بالصوف الذي يحتوي وبراً أو قصباً، بل على العادي فقط، كما تبين.
وعن الاختلاف بين آلة الخياطة وآلة التريكو التي تتعدد أنواعها تقول "مكنة التّريكو لديها مواصفات تختلف بنسبة 90% عن العادية، فهي تخيط من تلقاء نفسها، وتنتج أكثر من ثلاث قطع، وأصحاب الخبرة يخيطون خمس قطع أو أكثر في اليوم، إضافة لسرعتها ورسمات نقوشها، أما العادية تحتاج إلى جهد، كجلب القماش وقصه وخياطته عليها".
وإلى جانب اختلاف نوع الآلة التي تنجز القطع المحاكة من خيوط الصوف، أيضاً هناك أنواع مختلفة من الخيوط والإبر لتحقيق تنوع في المواد التي تحاك، فاختلاف حجم وشكل الإبرة يؤثر على النتيجة النهائية والسماكة والألياف المكونة للخيوط، كما يؤثر على تضخيم الخيوط وبرمها.
وحول القطع التي تعمل عليها واختلاف اسعارها تقول وضحة ناصر "أعمل على الطلبيات وكل قطعة تختلف أسعارها عن الأخرى حسب الصوف والنّوعية، فالمقلمة نبيعها بسعر ثلاثة آلاف لأن عملها غير مكلف ولا يستغرق وقت كثير ويكثر الطلب عليها، أما القبعة واللفحة العادية التي نقوم بحياكتها بالصوف العادي نبيعها بستة آلاف، بينما جيوب القرآن تختلف أسعارها لأن الصوف الذي نصنعه منه غالي الثمن، فنقوم ببيعه بما يقارب 15 ألف حالياً".
وتعمل وضحة ناصر على تطوير مهاراتها يوماً بعد آخر "في بداية العمل كنا نعمل فقط على حياكة البلوزات واللفحات والقبعات، ولكن الآن نقوم بحياكة المحافظ والمقالم وعلب المحارم، أي أننا نقوم بالعمل على أشياء جديدة".
وتوضح أن آلة التريكو تحتوي ما يقارب الـ 200 إبرة، مما صعب العمل عليهنَّ "توجب علينا التَّركيز في البداية والحذر من ارتكاب أي خطأ خشية إحداث خلل في الآلة وإيذاء أنفسنا، وترتيب الإبر في الآلة بحاجة إلى الدقة في التَّركيب".
ولم تتوقع وضحة ناصر عندما بدأت التّعلم على هذه الآلة بأنها ستتقن العمل "رغم جميع الصّعوبات إلا أن فضول ورغبة التَّعلم بقيا يرافقانني، فالعلاقة بيني وبين آلتي تقوم على الصَّداقة، وأحب العمل في هذا المجال كثيراً، فقلة من النَّاس يتقنونه".
وتتابع "في كل يوم ادخل غرفة عملي وأدهن آلتي بالزيت، وأجففها منه، وبعدها أعمل بشغف، فأصنع العديد من المُستلزمات والأشكال".
وعن وجود خلل في الآلة تقول "قلة من الناس يستطيعون إصلاحها وصيانتها، وعند الحاجة لأي قطعة علينا الحصول عليها من المُختصين فيها، وفي حالات الأعطال تبقى فترة من الزمن ريثما تؤمن القطعة النّاقصة، لأنها لا تتوفر بكثرة".
وتشرح وضحة ناصر طريقة العمل على آلة التريكو "علينا تعليق الخيط على المكنة، وفي العادية يتم إدخال الخيط في مكانين فقط، ولكن التي نستعملها ندخل الخيط في عدة أماكن، ومن ثم نقوم بتثبيته، وإخراج الإبر عن طريق المسطرة الخاصة بها، وتعليق الخيط على الإبر بعد وضعها بشكل متساوي عن طريق السَّيخ".
وتضيف "يجب أن تتوازن الإبر بشكل جيد، لتجنب ارتفاع الصّوف للأعلى أثناء العمل، وهنالك عداد خاص، يحصي المرات التي تعمل فيها المكنة على القطعة، ويوجد عيارات خاصة للتحكم بشدة الحياكة، وتبدأ من الصَّفر حتى العدد عشرة، وكلما كان العداد تنازلي زادت سماكة القطعة والعكس صحيح".
وتدعو وضحة ناصر جميع النّساء اللواتي يتمعن بالموهبة ألا يسمحن للصعوبات أن تردعهن "لنكسر حاجز الخوف، حتى نحقق طموحاتنا".
والجدير ذكره أن وقفة المرأة الحرة في سوريا وهي مؤسسة ديمقراطية مستقلة، تعمل على توسيع أعمالها لتشمل كافة المناطق ضمن شمال وشرق سوريا خاصةً وسوريا عامةً، والعمل على حل المشاكل التي تُعاني منها المرأة مهما كانت طبيعتها، وتأهيل النساء والأطفال نفسياً ومعنوياً.