غزالة التومي... حكاية نزوح وتحطم آمال العودة لمدينتها تاورغاء
بملامحها التاورغائية الأصيلة، وسمارها المعجون بالحزن الذي تحاول أن تخفيه بابتسامتها التي لم تفارقها طيلة اللقاء، تصنع غزالة التومي، التي تعيش حكاية نزوح في مخيم للنازحين وتحطم آمال العودة لمدينتها تاورغاء، خبز التنور
ابتسام اغفير
بنغازي ـ .
كانت الطريق المؤدية إلى مخيم بيوت الشباب الخاص بنازحي تاورغاء موحشة ومليئة بأكوام الخردة ونبات القصبة الذي يدل على أن هناك مياه سوداء ولا يوجد تصريف صحيح لها، بعد عدة انعطافات وصلت المخيم كان المنظر يبعث على الحزن فقد تراصت الحاويات التي تم اتخاذها كأكواخ جنباً إلى جنب، تأوي النازحين بعد نزوحهم عن مدينتهم عام 2011، إبان الثورة الليبية.
بين ليلة وضحاها وجد أكثر من 46 ألف من سكان مدينة تاورغاء أنفسهم نازحين بين المدن الليبية، ووصل إلى مدينة بنغازي أكثر من 2500 عائلة، توزعوا على سبعة مخيمات بالمدينة، وبعد عام من النزوح وجدوا أنفسهم بلا مصدر رزق فعملت النساء في بيع المشغولات اليدوية من سعف النخيل، وخبز التنور، وصنع رب التمر، وغيرها من الحرف اليدوية التي اشتهرت بها المدينة منذ القدم.
غزالة التومي البالغة من العمر 68 عاماً، أحد هؤلاء النازحات اللواتي وجدن أنفسهن بين ليلة وضحاها في كوخ من الصفيح وتبيع خبز التنور، لم يثنها العمر عن هذا العمل الذي يعد مصدر دخلها الوحيد، تقول غزالة عن عملها "بعد عام واحد من نزوحنا من مدينة تاورغاء توجهت إلى صناعة رب التمر، إضافة إلى المشغولات اليدوية، وركزت على صناعة خبز التنور لأن الطلب عليها كثير هنا في بنغازي، وبحسب جهدي أقوم بخبز من 20 إلى 30 رغيف يومياً".
وعن الأوقات الأنسب التي يتم فيها إشعال نار التنور ووضع الخبزة به خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف تقول "عادة في شهر رمضان نقوم بالخبز في حوالي الساعة 10 صباحاً ونقوم بتوزيعها على المحلات بحسب الطلب، وخلاف ذلك، نقوم بعملها الساعة السادسة صباحا حين يكون الجو أقل حرارة، وبحسب طلب الزبون أيضاً".
"الأزمات التي تمر بها البلاد تؤثر على مصدر زرقنا"
وحول الأزمات التي تمر بها البلاد من أزمة الدقيق إلى توفر الحطب الذي يتم العمل به تقول "أي أزمة تمر بها البلاد تؤثر على عملنا، فنحن نشتري كيس الدقيق بـ 120 ديناراً، والحطب بـ 80 ديناراً، يعني مثل التجارة لابد أن تصرف عليها حتى يكون هناك مردود حتى ولو لم يكن كافياً، ونحضر أيضاً السكر والزيت والخميرة، ولا يوجد لدينا مخزون".
وتشير غزالة التومي إلى أن طعم خبز تنور الطين أو الطفلة ألذ وشهي أكثر إلا إنها لا تستطيع تحمل تكلفة شراء ذلك التنور "لا نستطيع شراء التنور المصنوع من الطفلة أو الطين، لأن أسعارها مرتفعة وهذه الأنواع تحتاج للتغيير خاصة في فترة الشتاء، ولا نستطيع بنائه في المخيم لارتفاع سعره، لذا نعتمد على سخانات المياه القديمة التي تتحمل مياه الأمطار في فصل الشتاء".
وعن عملها وصنعها للأشياء بيديها تقول غزالة التومي بشيء من الحزن أنها بعد وفاة زوجها منذ خمسة أشهر لم تعد تقوم بصنع خبز التنور "لقد كنت أعمل كل تلك السنوات بمفردي، ليس لدي أولاد كي يقوموا بمساعدتي وتوزيع الخبز عندما أصنعه على المحلات، ذات مرة قمت بعجن الخبز وصنعه وبعد نضوجه لم أجد من يحمله لتوزيعه على المحلات، فاضطررت لتوزيعها على سكان المخيم، أنا الآن أعلم الفتيات الصغيرات وكل من تريد أن تتعلم العجن والخبز في التنور".
وحين سألناها عن إمكانية العودة إلى مدينتها بعد الاتفاق الذي حصل عام 2018 بين مدينتي تاورغاء ومصراتة تحت إشراف الأمم المتحدة تقول "لقد ذهبت في زيارة إلى منزلي في مدينة تاورغاء بعد غياب دام تسعة سنوات، ولكن وجدت البيت مجرد حطام، وتم سرقة كل محتوياته، حتى أنهم اقتلعوا الأرضية، ويحتاج إلى صيانة كاملة، من الصعب العودة في الوقت الحالي إذا لم تقم الحكومة بعمل صيانة للمباني المدمرة في المدينة"، وتشير إلى أنها عادت بعد زيارتها مدينتها إلى مدينة بنغازي، "ها أنا الآن اسكن في ذلك الكوخ الذي لا يقي حر الصيف ومطر الشتاء".