غبن الأجور... يبخس المرأة حقها في إدلب
تلعب الهوة في الأجور بين الجنسين في إدلب دوراً هاماً في تعزيز درجة اللامساواة الاقتصادية في المجتمع، وعلى الرغم من كل ما تقوم به المنظمات والجمعيات الداعمة للمرأة في إدلب بالمطالبة بالمساواة
سهير الإدلبي
إدلب ـ إلا أن التقدم في ردم تلك الهوة ما يزال يسير ببطء ملحوظ.
"أرى مظلمتي بأم عيني ولا أستطيع فعل أي شيء" تقول سعدية المنفوخ (٢٧) عاماً، التي تعاني عدم المساواة بتوزيع الأجور منذ بدأت عملها بإحدى منظمات المجتمع المدني.
سعدية المنفوخ نازحة من مدينة خان شيخون ومقيمة مع عائلتها المؤلفة من زوجها العاطل عن العمل وأبنائها الأربعة في مدينة إدلب، وهي تعمل في قسم الاستبيان، وعن آلية عملها تقول أنها تخرج بصحبة مجموعة من زميلاتها وزملائها في العمل لتفقد أحوال ومسكن الحالات الإنسانية التي ترتاد مركز المنظمة للتأكد من حالتها المعيشية ودراسة احتياجاتها.
يستمر عملها ما بين الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثالثة بعد الظهر، وهي تجهد في عملها لتتمكن من إنجاح مهمتها والقيام بها على أكمل وجه لتفاجئ في نهاية الشهر الأول من العمل براتب شهري يعادل نصف راتب الرجال العاملين بالمجال ذاته، وليستمر الأمر على تلك الحال.
وتتساءل سعدية المنفوخ "هل لأننا نساء نعامل بكل تلك الدونية، علماً أننا نبذل جهداً لا يقل عن جهد الرجل في كثير من الأحيان وخاصة فيما يتعلق بالوظائف المؤسساتية".
لا ينحصر التمييز الممارس ضد النساء العاملات في مجالات معينة وإنما تعدتها لمختلف القطاعات والأعمال المتوفرة، إذ تعاني النساء في إدلب من منظومة تمييزية واسعة ضد الحقوق الاقتصادية للنساء والتي لا تعود إلى اختلافات في التحصيل العلمي أو إلى فوارق في السن وسنوات الخبرة بقدر اتباعه حزمة من الأحكام النمطية المسبقة حول التشكيك بجودة أداء النساء في سوق العمل.
تضطر منى عبد الغني (٣٠) عاماً، للعمل في إحدى مراكز الدعم المجتمعي بأجر متدني قياساً مع أجور الرجال بذات المجال لعدة أسباب تذكرها قائلة إنها المعيلة لأسرتها بعد وفاة زوجها منذ أكثر من خمس أعوام، وهي بحاجة ماسة لأي عمل يمكن أن يتوفر لها، وبعد خضوعها لعدة تدريبات في مجالات الدعم النفسي الاجتماعي استطاعت أن تجد وظيفة في إحدى المراكز وهي لا تنوي التخلي عن عملها رغم ضآلة الراتب الذي تحصل عليه، "بحصة بتسند جرة، وأنا بحاحة لهذا العمل لعدم وجود البديل الأفضل".
تشعر منى عبد الغني بالظلم الكبير حين تعامل على أنها أقل شأناً من الرجل، فهي قادرة على تقديم ما يقدمه لكنها لا تجد عدالة في توزيع الأجور رغم تعلقها وتفانيها بالعمل.
تتقاضى النساء في المناصب الوظيفية رواتب تقل عن رواتب الرجال في الوظيفة ذاتها، كما أن فرصهن في الترقية الوظيفية ما يزال محدوداً ما يعكس وبشكل واضح النظرة التمييزية اتجاه المرأة ودورها في العمل والمجتمع.
الباحثة الاجتماعية جمانة الكردي (٤٢) عاماً، تنتقد بخس المرأة لجهدها وتعبها وعدم حصولها على ذات الأجور التي يتقاضاها الرجال في المناصب ذاتها، "صحيح أن معظم الوظائف اليوم نجدها لنساء بعد أن ازداد تعليم المرأة وتلقينها المهن المتنوعة والمهارات المتعددة من قبل مراكز التدريب والتمكين المنتشرة في إدلب، إلا أن الأجور ما تزال دون المستوى ولا تتناسب مع ساعات العمل والجهد المبذول من قبلهن، وهو ما يفسر زيادة أعدادهن في وظائف يأبى الرجال العمل بها لتدني أجورها بشكل كبير".
وترجع جمانة الكردي التمييز ضد النساء للنظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في المنطقة وللعادات والتقاليد المتحكمة بالتنميط المتبع للأدوار المنوطة بالنساء والرجال والتي لعبت دوراً في ظلم النساء والتقليل من شأنهن.
وتقترح العمل على توعية المرأة والمجتمع ضمن إجراءات سياساتية وتنظيمية تضمن تحقيق ردم فعلي لفجوة الأجور بين الجنسين وتفرض الالتزام بمعايير رقابية داخل المؤسسات المختلفة.
ووفقاً للأمم المتحدة فإن النساء تتقاضى أجوراً أقل من الرجال، وتقدر فجوة الأجور بين الجنسين بنسبة 23% على مستوى العالم، ولا تزال المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات يتراجعان بسبب استمرار علاقات القوة التاريخية والهيكلية غير المتكافئة بين النساء والرجال، والفقر وعدم المساواة والحرمان في الوصول إلى الموارد والفرص التي تحد من قدرات النساء والفتيات، وكان التقدم في تضييق هذه الفجوة بطيئاً، في حين تم تأييد المساواة في الأجور بين الجنسين على نطاق واسع، إلا أن تطبيقها في الممارسة العملية كان صعباً.
ووفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي يتطلب ردم الهوة بشكل نهائي ٢١٨ عاماً في حال استمرت الوتيرة الحالية ذاتها.