دبس الخروب صناعة لبنانية تطورت بريادة نسائية

بعد أكثر من قرنين على بدء صناعة الدبس في بلدة القصيبة عاصمة الدبس في المتن الأعلى على يد رائدات من النساء، أصبح يعمل بهذه الصناعة جميع أفراد العائلة لتنتشر في مناطق عدة من لبنان.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ وصل عدد معاصر دبس الخروب إلى سبع، ولكن مع هذا الازدياد الذي شمل مناطق عدة من لبنان، ضعف الطلب وخصوصاً إلى الخارج، ما أدى لتحول الإنتاج من بين 5 إلى 30 طناً في كافة معاصر بلدة القصيبة ليقتصر على طن ونصف الطن كحد أقصى في كل منها سنوياً.

تقول ديالا نعيمة وهي تعمل في إحدى المعاصر التي تملكها عائلتها "أقوم بالعمل الإداري في المحاسبة، فضلاً عن التوضيب بينما يقوم بقية أفراد العائلة بالعمل اليدوي الشاق، من تنقية وتجفيف الخروب، وحمل الكميات الكبيرة بواسطة شوالات، ثم طحنه، فنقعه لمدة 4 ساعات ونصفيته ليوضع في وعاء كبير "خلقين" ليتم غلي الدبس باستخدام الحطب فقط، ويتم تبريده وتعبئته في عبوات بسعة نصف كيلو، أو كيلوغرام، ليتم استهلاكه في السوق المحلي أو تصديره إلى الخارج".

وأشارت إلى أن "السوق المحلي يطلب الدبس بالرغوة التي على وجهه، ولكن للتصدير يتطلب أن تركد الرغوة حتى تتحول إلى دبس، لأن هذه الرغوة ترفضها المختبرات في الخارج لاحتوائها على الماء، لذا نقوم بترك الإنتاج المعد للتصدير لمدة ثلاثة أسابيع".

وأوضحت أن "تراجع التصدير إلى الخارج في السنوات الأخيرة، لظروف عديدة وصعبة، وبسبب كلفة النقل وغيره، علماً أننا لم نرفع الأسعار، فعبوة الكيلوغرام كانت بالسابق 5 آلاف ليرة أي أكثر من 3 دولارات بقليل، وحالياً بسبب انهيار سعر الليرة أصبح سعرها 300 ألف ليرة وهو السعر نفسه، على الرغم من ارتفاع سعر التكاليف من حطب وكهرباء والخروب الذي نبتاعه من الجنوب".

وعن سبب انخفاض الطلب بينت "أصبح هناك معاصر كثيرة موزعة في لبنان، ولكن يبقى من يقصدنا، بل يقصد كل معصرة من المعاصر الموجودة في القصيبة بذاتها، وهو ما يسعدنا، علما أن هناك تجار يشترون منا بالجملة لوجود الطلب لديهم على دبس القصيبة بالذات".

وأضافت "الخروب يستخدم كشراب منعش صيفاً وكبديل للشوكولا والكاكاو في الحلويات، مثل الكيك والرز بحليب وغيره، وبالإضافة إلى فوائده الصحية، مثل صحة الجهاز الهضمي والحماية من الإمساك، والمحافظة على الوزن كونه يحتوي على الألياف، وفي الحالات الصحية كالسكري، فإن ملعقة من الدبس 20 غراماً تحتوي حوالي 60 سعرة حرارية، وهي أقل من معظم الفواكه المسموح بها في النظام الغذائي، لذا من الممكن استهلاكه كبديل وعدم الإفراط به".

وأشارت إلى أن "هذه الصناعة موجودة في بلاد الشام مثل سوريا ولبنان منذ مئات الأعوام، ولكن تراجعت لأسباب عدة، منها ضعف الطلب أمام الإنتاج الصناعي لأنواع حلويات عديدة، وتعتبر المغرب الرائدة بهذا النوع من الإنتاج، كما ويتم إنتاجه في الجزائر وتونس".

ومن جانبها تقول تاريز نعيمة "صناعة الخروب بدأت في القصيبة منذ العام 1910، النساء هن اللواتي تقمن بهذا العمل يدوياً، حيث كان الرجال يتفرغون للعمل الزراعي وغيره من الأعمال، وكن تقمن بجني قرون الخروب من ضفاف الأنهر، وتنظيفها وطحنها يدوياً، ونقعها وتصفيتها وطبخها وكل المراحل كانت تتم في أواني فخارية، استبدلت لاحقا بالستانلس ستيل (الفولاذ) واستبدل العمل اليدوي بالآلات الكهربائية".

وأضافت أن "النساء تجمعن "القنيبلة" وتسمى أيضاً "السميسمة" وهي أوراق شجر الصنوبر كوقود لطبخ الدبس في الخلاقين الفخارية، وبذلك تساهمن في الحد من الحرائق، بالإضافة إلى التوضيب، ليتم استهلاكه في المنزل ذلك أنه لم يكن هناك مادة السكر، وكان يستخدم للتحلية ويتم بيع الفائض منه أو مقايضته بلوازم أخرى ضرورية للمنزل من مواد غذائية وغيرها".

وأشارت "كنا نعتمد على الإنتاج المحلي من منطقة المتن والجبل، وقد بلغ الطلب على ثمار الخروب أوجه في إحدى المراحل، وأجود الثمار في صور وتسمى الخروب المقدسي، وتتميز بالحلاوة المتوسطة مقارنة بالخروب البلدي التي تعتبر ثماره حلوة للغاية، وتتسبب بفيضان الرغوة من العبوات".

وأضافت "لا يرمى شيء من الخروب تقريباً، عدا الرغوة التي تظهر على وجه الخلقين والتي تؤثر على جودة الدبس، فالتفل "بقايا القرون" له وجهتان إما لتسميد التربة أو لإطعام للماشية، وفي فترة وصل الإنتاج للذروة، واضطررنا لاستيراد ثمار الخروب من قبرص، لنتمكن من تأمين الطلب المتزايد وخصوصاً أنه كان هناك تصدير للدبس إلى دول الخليج والعالم، ولكن حالياً، الطلب خفيف ونكتفي بالاستهلاك المحلي".

ولاحظت تاريز نعيمة أنه "كان هناك طلب كبير في الأعوام السابقة على بذور الخروب في الصناعات الصيدلانية، وقد تجاوز العائد المادي من بيع هذه البذور بيع الدبس، على الرغم من أن الكمية قليلة بالمقارنة، إذ أن قرن الخروب أي الثمرة لا يتجاوز وزن البذور 10% منها، وتحتوي مادة جيلاتينية مهمة للغاية في صناعة الأدوية، ولكنها استبدلت بمحتوى ثان من مواد نباتية تستورد من الهند وأفريقيا مؤخراً، وبالتالي خسرنا هذا المورد الهام".

ولفتت إلى أن "شجرة الخروب لا تحتاج إلى عناية، ولا إلى سماد، أو ري وتقليم، وتظل خضراء طوال العام، وهي تنتج سنوياً ما يصل إلى طن وفقاً لعمرها، لذلك تعتبر شجرة بيئية واقتصادية بامتياز، وتؤمن مدخولاً مهماً للمزارع، ونشجع على زراعة هذه الشجرة المستوطنة في لبنان والذي يلائمها المناخ في كافة المناطق، وكل كيلو خروب ينتج نصف كيلو من الدبس تقريباً، ولا يحتوي دبس القصيبة على أي إضافات من السكر، والمعاصر لدينا عائلية، حيث يتشارك أفراد العائلة في تصنيع الدبس".