بقيادة حافلة ركاب وإعداد المونة.. زهرة مروّة تواجه تحديات الحياة

قوية، صلبة ومناضلة... دفعتها ظروف الحياة لأن تختار مهنةً نادراً ما نرى نساءً يمتهنونها، فاختارت أن تقود حافلة نقل ركاب مدرسية من أجل تأمين لقمة عيش كريمة لها ولعائلتها

كارولين بزّي  
بيروت ـ .
زهرة مروة سيدة لبنانية تبلغ من العمر 41 عاماً، تزوجت في الرابعة عشر من عمرها، وامتهنت العمل كسائقة حافلة ركاب، اكتسبت ثقة الركاب وذويهم في ظل مجتمع يعتبر المرأة فاشلة في قيادة السيارة، فأثبتت نفسها وأثبتت لمجتمع ذكوري بأن القوة ليست صفة لصيقة بالرجل، بل معيار القوة الشخص نفسه بغض النظر عن جنسه، امرأة أو رجل.
  
"الزواج المبكر والحمل دفعاني لترك الدراسة"
في لقاء مع وكالتنا تروي زهرة مروة قصة حياتها التي أثبتت فيها بأنها امرأة قوية لم تستطع الأزمات بأن ترهقها بل واجهتها بصلابة وتحدتها، تقول "أعمل سائقة باص أوصل التلاميذ إلى المدارس خلال العام الدراسي، وخلال الصيف أتفق مع المدارس الصيفية أو الكشافة بالإضافة إلى أكاديميات كرة القدم، وأوصل مجموعات من الأفراد ولاسيما النساء إلى مختلف الأماكن وخصوصاً إذا كان مشوارهم بعيد، لأنني امرأة فالنساء يشعرن بالأمان معي أكثر".
وتوضح "أعمل في هذا المجال منذ 17 عاماً، ولجأت إلى هذه المهنة لأنني مررت بظروف صعبة حتّمت عليّ أن أعمل، ولم أكن حينها قد أنهيت المرحلة الثانوية لأنني تزوجت بسن مبكرة وتحديداً في الرابعة عشر من العمر، وأُجبرت على ترك المدرسة عندما حملت بطفلي الأول، إذ توقفت عن الدراسة نهائياً. لم أعرف حينها ما المهنة التي يمكن أن أعمل فيها وأنا لا أملك شهادة، ولكن المعيار الأساسي كان في اختيار المهنة هو أن أكون مرتاحة الضمير".
 
"كثّفت عملي بالزراعة واشتريت حافلة ركاب"
وتتابع "بدأت العمل في إعداد المونة والزراعة ولا زلت أعمل بهذه المهنة لغاية اليوم، وجنيت بعض المال من هذا العمل، وكنت حينها قد أنجبت ولدين الأول يبلغ من العمر 4 سنوات وكنت أخذه معي إلى العمل وطفلي الصغير يبقى مع والده في المنزل. الأزمة المالية التي مررنا بها كانت في فترة الصيف، ومع مجيء فصل الشتاء كان عليّ أن أوصل ابني إلى المدرسة، وكان لدى زوجي سيارة فقمت ببيعها واشتريت شاحنة "رابيد"، وبرحت أوصل ابني ومعه أولاد الجيران، وفي تلك الفترة كان من النادر أن نجد امرأة تقود "رابيد" ولكنني كنت أتجاهل التعليقات الساخرة، وعندما زاد عدد التلاميذ الذين أوصلهم إلى المدرسة، قررت أن أكمل العام الدراسي بهذه الطريقة وأكثف عملي بالزراعة لكي أجني ثمن حافلة ركاب، وبالفعل استطعت أن أجمع مبلغ من المال اشتريت فيه باص صغير".
على الرغم من أنها تزوجت في وقت مبكر، إلا أنها ترفض أن تسمح لابنتها بأن تتزوج بسن صغيرة، وتلفت إلى أنها عضوة ناشطة في جمعية "وردة بطرس" وهي من الجمعيات المناهضة لزواج القاصرات. 
وتتابع "عندما اشتريت الباص قررت أن أتعاون أنا وزوجي على قيادة الباص، ثم لاحقاً افتتحنا فرن مناقيش لكي نستطيع أن نجني ثمن حافلة ركاب أخرى لزوجي، وبعدما حققنا الهدف المرجو من الفرن وكان بعد خمس سنوات تقريباً، اشترينا حافلة الركاب الثانية وأغلقنا الفرن". 
 
"تحولت قيادة الحافلة من مهنة إلى متعة"
لطالما اُتهمت المرأة بأنها فاشلة في القيادة، ولكن زهرة مروة دحضت هذه الادعاءات واستطاعت أن تكتسب ثقة ذوي التلاميذ الذين تقلهم إلى المدرسة، حتى أنها اكتسبت ثقة الأطفال ومحبتهم.
تحملت المسؤولية منذ أن كانت طفلة في بيت أهلها بما أنها كبيرة أخوتها، وبعدما انتقلت إلى منزل زوجها تحملت مسؤولية من نوع آخر وهي ربة منزل وزوجة وأم وكانت لا تزال قاصر، وتعتبر زهرة مروة أن المسؤوليات التي تحملتها منذ صغرها ساهمت في نضوجها وأصبحت معها شخصاً مسؤولاً.
وعن كيفية تعاملها مع الأطفال، تشير إلى أنها تتفاعل مع الأطفال بالطريقة التي تحبذ أن يتصرف بها سائق حافلة الركاب الذي يوصل أولادها، ولا تنكر بأنها تضفي أجواءً مرحة ومسلية خلال مشوار الطريق إلى المدرسة.
لم تعد تعتبر زهرة مروة بأن قيادة الحافلة هو مهنة أو فرض عليها لتأمين لقمة العيش، بل أصبحت نوعاً من المتعة والسعادة، وتقول "خلال عملي أشعر بالسعادة، إذ أجد متعتي بهذا العمل ولا أعتبرها مجرد مهنة. حتى أنني خلال الأعياد أشتري للتلاميذ الذين أوصلهم الهدايا، وهذا الأمر يشعرني بالسعادة، حتى أنني لا أشعر بأن هؤلاء الأولاد هم أبناء أشخاص آخرين بل أشعر بأنهم أولادي. وأعتقد أن هناك ألفة ومودة وُلدت بيني وبينهم، فهم ما أن يتعرفوا إلي حتى يكشفون لي عن أسرارهم، وحتى يخبرونني بما يزعجهم، وبدوري أحاول أن أساعدهم من خلال التعاون مع ذويهم".
وتلفت زهرة مروة إلى أن عملها الأساسي كان في الزراعة وتحضير المونة "عندما تشتد الأزمات أو إذا كنت بحاجة لمدخول إضافي، ألجأ إلى جانب عملي على الباص إلى تحضير المونة لبيعها، فأنا أقوم بتحضير الكشك، رب الرمان البلدي، الزعتر، البندورة المجففة والحر المطبوخ وحر الكبيس، بالإضافة إلى ورق العنب والملوخية الخضراء واليابسة والزيتون وهذا العام تحديداً بسبب اعتماد أغلب المدراس التعليم عن بُعد كانت المونة المصدر الأساسي لرزقنا". 
وعن رفع تعرفة الأجرة، تؤكد أنها لم ترفع التعرفة مع ارتفاع سعر المحروقات في لبنان، لأنها ما زالت تستطيع أن تتحمل التكلفة، وتضيف "إذا رفعت التعرفة على الناس، هناك من سيرفع الأجرة على ابني الذي يذهب إلى الجامعة، لذلك أنا أعامل الناس مثلما أريدهم أن يتعاملوا معي ومع أولادي".
 
"أولادي يفتخرون بي"
ورداً على سؤال حول رأي أولادها بأمهم وعملها، تدمع عيناها وتقول بفرح "أولادي يتغنون بي ويفتخرون بمهنتي إن كان كسائقة حافلة أو في إعداد المونة".
على الرغم من أن زهرة مروة لم تكمل دراستها ولكنها لن تسمح لأولادها بأن يعيشوا الحياة التي عاشتها، وتعتبر أن التعليم هو المدماك الأساسي لبناء مستقبل أولادها. وتخبرنا "درس طارق ابني الكبير المحاسبة والمعلوماتية وتخرّج العام الماضي وهو يعمل حالياً بالمجال الذي تخصص فيه، أما ابني الثاني نضال فيدرس الفيزياء في الجامعة اللبنانية وهو متفوق بدراسته ويرغب بمتابعة دراساته العليا. أما ابنتي غزل فتبلغ من العمر عشر سنوات وهي في المدرسة حالياً، وتود أن تدرس التمثيل".
وتلفت إلى أنها وزوجها يحاولان بشتى الطرق بألا يعيش أولادهما تجربة صعبة كتلك التي عاشاها خلال حياتهما، وتقول "لذلك نبذل الجهد لتعليمهم وإيصالهم إلى بر الأمان".
في طفولتها، حلمت زهرة مروة بأن تكون طبيبة أطفال ولكن اليوم طموحها بات أكثر واقعية ألا وهو شراء حافلة أكبر من تلك التي تملكها لتضاعف عملها.