المرأة الريفية في إدلب... تهميش عرفي وعمل شاق
في ظل جهلهن بحقوقهن تضطر النساء في الريف للعمل في بيئة سيئة مقابل أجر أقل مقارنة مع الرجل في مجتمع لا يزال يخضع لموروثات ثقافية واجتماعية يدفع بالفتيات في سن صغيرة للزواج المبكر والعمل.
هديل العمر
إدلب ـ تواجه المرأة الريفية في إدلب، ظروفاً وصعوبات كثيرة في حياتها اليومية، أبرزها العمل الشاق والعادات والتقاليد الاجتماعية التي تفرض عليها تحمل الأعباء والمسؤوليات عوضاً عن الزوج أو الرجل لتكون الزوجة والأم والمعيل في آنٍ واحد.
اعتادت خالدية العمر (35) عاماً وهي من سكان قرية صلوة شمال إدلب، على الاستيقاظ قبل شروق الشمس لتجهيز خبز التنور لزوجها وأطفالها قبل انطلاقها إلى عملها مع إحدى الورشات التي تعمل بالأراضي الزراعية وجني الثمار الموسمية للإنفاق على زوجها وأطفالها الأربعة.
تروي خالدية العمر تفاصيل حياتها اليومية فتقول أنها تستيقظ في الخامسة صباحاً لتحضير الطعام لأطفالها وزوجها قبل أن تنطلق إلى عملها في حوالي الساعة السادسة والنصف بمدة عمل تتراوح بين 6 و8 ساعات يومياً، وبأجر لا يتعدى 30 ليرة تركية يومياً، ومن ثم العودة للقيام بواجباتها المنزلية من تنظيف وتحضير الطعام والعناية بأطفالها.
وأوضحت أنها تعيش على ذات الروتين منذ زواجها قبل 20 عاماً، إذ أن الأيام بالنسبة لها عبارة عن يوم واحد تقضي من خلاله الواجبات المترتبة عليها بغض النظر عن المعاملة السيئة التي تتلقاها من زوجها والتي تصل في معظم الأحيان للضرب والتعنيف الجسدي.
وأشارت إلى أن حياتها لم تختلف كثيراً عما كانت عليه قبل زواجها، خاصة وأن المرأة في المجتمع القروي محرومة من أبسط حقوقها في التعليم، حيث تنشأ منذ طفولتها على القيام بالمهام المنزلية والحصاد والزراعة ورعي الأغنام حتى زواجها وخروجها من بيت أهلها.
وتعمل خديجة السعيد (38عاماً) بمهنة رعي المواشي بالقرب من قرية رأس الحصن شمال إدلب منذ أكثر من عشر سنوات، وهي مهنة تمكنها من إعالة عائلتها المؤلفة من خمسة أشخاص.
"زوجي لا يعمل وإذا لم أعمل أنا سنموت من الجوع"، كلمات تلخص المسؤوليات الكثيرة التي تقع على كاهل خديجة السعيد والتي تجبرها على هذا النوع من العمل الذي تصفه "بالشاق" حيث تعمل على رعي الأغنام على فترتين صباحية من الساعة السادسة وحتى الثانية عشر ظهراً، ومسائية من الساعة الرابعة وحتى الثامنة مساءً.
وأوضحت أنها ترعى أغنامها وبعض قطعان القرية بشكل مأجور، حيث تتقاضى مبلغ 35 ليرة تركية يومياً، في حين تعمل هي على صناعة الألبان والأجبان ومشتقات الحليب منزلياً وبيعها للإنفاق على نفسها وأسرتها.
وأضافت أنها لم تسمع في عمرها عن حقوق المرأة، ولكن كل ما تعرفه أن المرأة وجدت لإنجاب الأطفال والقيام بأعمال المنزل والعمل الشاق في مهن مختلفة وشاقة لإرضاء أهلها وزوجها والمجتمع المحيط بها.
ولا تخفي الشابة المعاملة السيئة التي تتلقاها من زوجها في حال امتنعت عن الذهاب إلى عملها لظرف أو مرض وضعف، وهو أكثر ما "يحز بنفسي ويؤلمني" على حد وصفها.
من جهتها تقول المستشارة النفسية والاجتماعية صفاء الصغير (33) عاماً أن غياب الحملات التوعوية والمراكز الثقافية النسوية عن القرى النائية في محافظة إدلب، من أبرز أسباب تنامي المشاكل والصعوبات النفسية والاجتماعية على المرأة الريفية التي تجهل أدنى حقوقها المشروعة في العمل والعيش الكريم القائم على تقاسم المسؤوليات بينها وبين الرجل.
وأوضحت أن المجتمع الريفي لا يزال يخضع لموروثات ثقافية واجتماعية تحت مسمى العادات والتقاليد، كحرمان المرأة من حقوقها في التعليم، وتوجيهها للعمالة وهي في سن الطفولة، بالإضافة للزواج المبكر، بغض النظر عن أحوال العائلة المعيشية أكانت فقيرة أم غنية.
وأشارت إلى أنه من "غير المقبول" أن تكون المرأة مجرد أداة لجني الأموال على حساب سلامتها النفسية والجسدية، وتحمل جميع المسؤوليات لتكون المعيلة والزوجة والأم، في ظل غياب دور الزوج أو الرجل عن تحمل جزءً من أعباء الحياة.