الأزمة الاقتصادية تهدد لقمة عيش اللبنانيين
تشهد لبنان واقعاً اقتصادياً مزرياً آثر بشكل كبير على العائلات اللبنانية، إذ أن أكثر من نصف اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر.
كارولين بزي
بيروت ـ أصبحت تطبيقات ارتفاع وانخفاض الدولار تؤرق حياة اللبنانيين، وباتوا يعيشون حالة عدم استقرار خوفاً من ارتفاع محتمل في الأسعار مع كل تدهور لسعر صرف الليرة اللبنانية، يسارع إليه التجار بهدف تحقيق أرباح مع كل ارتفاع، إلا أن انخفاض سعر صرف الدولار لا يقابله تراجعاً في الأسعار في ظل غياب الرقابة مما يؤدي إلى تدهور القدرة الشرائية عند المواطن.
نتطرق في هذا التقرير إلى واقع الازمة الاقتصادية وأسباب ارتفاع وانخفاض الدولار بشكل كبير، إلى جانب خطة التعافي الاقتصادي التي أقرتها الحكومة، مع الصحافية المتخصصة في الشأن الاقتصادي سلوى بعلبكي، ورئيسة تحرير موقع ايكو وطن الاقتصادي ريما خداج حمادة، وهي مقدمة ومعدة برنامج حوار بيروت الاقتصادي.
"تمرير الانتخابات"
تعود الصحفية المتخصصة في الشأن الاقتصادي سلوى بعلبكي إلى بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان، وتقول لوكالتنا "يشهد لبنان منذ اندلاع ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 واقعاً اقتصادياً مزرياً وانهيارات قطاعية متتالية أبرزها القطاع المصرفي الذي بات يعاني من مشكلتي السيولة والملاءة (القدرة على السداد) انعكستا على ثقة المودعين به. ولعل أسوأ انعكاسات الأزمة، الانهيار المستمر لليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي الذي انعكس بشكل كبير على رواتب الموظفين وخصوصاً أولئك الذين يتقاضون أجورهم بالعملة الوطنية التي فقدت قيمتها أمام سعر صرف الدولار الأميركي. فبعدما كان الدولار يساوي 1500 ليرة أصبح اليوم يساوي 30 ألف ليرة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع بشكل جنوني بالتوازي مع انهيار القدرة الشرائية للمواطن".
بين ارتفاع وانخفاض، استقر سعر صرف الدولار على 22 ألف ليرة، قبل الاستحقاق الانتخابي بفترة قصيرة، وعن ذلك تقول "في ظل تفاهم سياسي معلوم وغير معلن بين ثلاثية الحكم والحكومة ومصرف لبنان قضى بتمرير الانتخابات النيابية من دون وقفات احتجاجية واختلالات أمنية قد تحصل في حال استمر سعر الصرف بالارتفاع. وقد نجح هذا الاتفاق في تثبيت مؤقت لسعر الصرف، لكن الاستحقاق الانتخابي انتهى، وبدأ الدولار ينشط صعوداً تماماً كما توقّع له الكثير من الخبراء والمراقبين، وتفلت من قبضة منصة "صيرفة" التي تراجع أداؤها وانحسر تمويلها، فيما باتت المصارف تقنن السحوبات لعملائها بالدولار مما أربك السوق وأوجد حالة هلع بين الناس ليحصد الدولار ارتفاعاً يناهز الـ 35% خلال الاسبوعين الأخيرين".
"أكثر من 30% من الأطفال خاوية بطونهم"
وعن خطة التعافي تقول "أقرّت الحكومة اللبنانية خطة للتعافي الاقتصادي بعد سنتين وأكثر من استفحال الأزمة، وجاءت هذه الخطة كعلاج "البتر"، قاسية جداً على المواطنين الأكثر فقراً والطبقة المتوسطة. وإذا كان البعض يعتبر أنه لا مفر من تنفيذ هذه الخطة للحصول على مليارات صندوق النقد، ثمة من يؤكد في المقابل أنه إذا وُجدت الإرادة لإقرار وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة بمصداقية وجدية والتزام لن يكون لبنان عندها بحاجة لأي شيء سوى إعادة هيكلة الدين العام وإلى التوزيع الزمني للخسائر وفق استحقاقها".
وأوضحت سلوى بعلبكي تأثير الأزمة الاقتصادية على العائلات اللبنانية "أثرت الأزمة بشكل كبير على العائلات اللبنانية، إذ أن أكثر من نصف اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، مما اضطرهم إلى مقايضة ثيابهم ومقتنياتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بعلب حليب وأكياس حفاضات لأطفالهم. وذكر تقرير لليونيسف أن هذه الأزمة غير المسبوقة كان لها تأثير كبير جداً على الأطفال في لبنان حتى وصل الأمر إلى أن ينام 30% من أطفال لبنان وبطونهم خاوية لعدم قدرة أهاليهم على توفير الطعام والتغذية اللذين يحتاجهما أطفالهم للبقاء على قيد الحياة. حتى أنه لم يعد بإمكان الكثير من العائلات الانتقال حتى إلى المرافق الصحية للحصول على الرعاية الصحّية الأولية لأطفالها. ولعل الأخطر هو وضع الجمعيات الخيرية والتحديات الخطيرة والمقلقة التي تواجهها وفق ما حذر وزير الشؤون الاجتماعية، والتي باتت تهدّد الأمن الاجتماعي بسبب إقفال عدد كبير منها وتوقّف الخدمات التي تُقدم لذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين والأيتام وغيرهم من الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع اللبناني".
"الدولار وأنواعه"
من ناحيتها، تعتبر رئيسة تحرير موقع إيكو وطن الاقتصادي ريما خداج حمادة أن مصرف لبنان هو لاعب أساسي في قضية التلاعب بسعر صرف الدولار، فهو لا يؤدي دور المراقب علماً أنه الجهة التي يتعين عليها أن تساهم باستقرار الدولار. لكن في لبنان أصبح هناك الدولار السياسي، وهو الذي تتحكم به السلطة السياسية، إذ كنا نرى قبل الانتخابات استقراراً لسعر صرف الدولار، وبعد الانتخابات مباشرةً ارتفع سعر صرف الدولار.
وأشارت إلى أنه "قبل انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة المجلس انخفض الدولار بنحو عشرة آلاف ليرة في ليلة واحدة، إذ بلغ الـ 38 ألف في أعلى سعر له ثم انخفض في اليوم نفسه إلى نحو الـ 28 ألف ليرة".
وأوضحت أنه "بالإضافة إلى الدولار السياسي، هناك الدولار الذي تتحكم به السوق السوداء أو دولار المضاربة، وهو الذي تتحكم به التطبيقات وهو دليل على أكبر تلاعب حقيقي للدولار. كما هناك الدولار الاقتصادي الذي يتحكم به التجار الذين يبيعون على سعر صرف دولار مرتفع حتى لو انخفض سعر صرف الدولار"، لافتةً إلى أنه "عندما يرتفع سعر صرف الدولار إلى نحو 35 ألفاً يبيع التجار على هذا السعر أو على أربعين ألفاً ولا أحد يلتزم بانخفاض الدولار، بل يرفع التجار مجدداً من أسعار سلعهم في حال ارتفع مجدداً سعر الصرف"، مشيرةً إلى أن في كل تلك الأزمات هو "المواطن والمستهلك ولقمة العيش التي أصبح المواطن يؤمنها بصعوبة".
وأوضحت "لهذه الدولارات الثلاثة والناتجة عن تعاميم مصرف لبنان رقم 161 و157، تأثيرات على الوضع الاجتماعي، نحن ذاهبون إلى انفجار اجتماعي كبير، فالتداعيات تقع على الرواتب التي تآكلت مع انهيار العملة وانعدام القدرة الشرائية لدى المواطن".
"المرأة اللبنانية إدارية"
فيما يتعلق بالمرأة وتحديداً اللبنانية، تصفها ريما خدّاج بالمرأة الإدارية، التي تقوم بتحديد ميزانية العائلة وهي من ينفق وتستطيع أن تتدبر أمورها وتؤمن حاجيات المنزل بأقل راتب ممكن. وهي تزيد اليوم من إنتاجيتها في كل المجالات، كما أنها قادرة على التكيف مع كل المستويات والأزمات.
وفيما يتعلق بخطة التعافي، لا تعتبر ريما خدّاج أن هذه الخطة "تخدم المواطن اللبناني بل هي انتقام من اللبنانيين، لأنها أتت على حساب المودعين، وجاءت لإرضاء فريق صندوق النقد الدولي، وهي تريد شطب أموال المودعين وتحميل الخسائر للمودعين وليس للدولة اللبنانية ولا المصارف، ونحن نعلم جيداً في لبنان أنه ليس هناك أي قرار بتنفيذ أي إصلاحات بل فقط الاستيلاء على أموال المودعين".