ثورة المرأة المصرية تصطدم بالعادات والتقاليد
منذ عام 1980 وقعت مصر على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز "سيداو"، إلا أن القوانين التي تُميز بين الجنسين ما تزال على حالها، وما تزال العادات والتقاليد أقوى من أي قانون.
مركز الأخبار ـ تكافح النساء حول العالم لتحصيل حقوقهن، منذ بداية القرن العشرين والناشطات الحقوقيات في العالم يطالبن بمنح المرأة حق التصويت، نساء مصر كن واعيات لأهمية منحهن هذا الحق وخصوصاً رائدة حركة تحرير المرأة درية شفيق التي لها الفضل في إقرار حق الانتخاب والترشح للمرأة المصرية عام 1956.
في عام 1951 خططت درية شفيق مع عضوات بنات النيل لاقتحام مبنى البرلمان، وحشدت المئات من النساء والمناصرين لقضايا المرأة. في وقتها لم تثمر تلك الدعوات عن شيء. لكنها لم تستسلم، خلال حكم جمال عبد الناصر للبلاد، قلبت درية شفيق الكفة لصالح النساء بعد أن اعلنت اضراباً مفتوحاً عن الطعام، وبذلك نجحت في إجبار الحكومة على منحهن حق التصويت.
في عهد جمال عبد الناصر اشركت النساء في مجالات مختلفة، في عام 1957 دخلت أول امرأة للبرلمان في تاريخ مصر وهي راوية عطية، وعُينت حكمت أبو زيد أول وزيرة للشؤون الاجتماعية في عام 1962.
على عكس جمال عبد الناصر الذي حد من نشاط جماعة الإخوان المسلمين، قام خليفته أنور السادات والذي تولى الحكم عام 1970 بعقد الصلح معهم، وأقر دستور جديد للبلاد يراعي أفكارهم المتطرفة.
في اللجنة التي تألفت من 80 عضواً لصياغة الدستور لم تكن هناك أي امرأة. ذلك ما انعكس على مواده بأن أقصيت النساء من الجيش والشرطة والقضاء، من خلال إضافة كلمة رجل لهذه المناصب.
الدستور سمح للنساء بإنشاء منظمات خاصة بهن "طبعاً تحت مظلة الدولة" ومع التأكيد بأنها لن تكون مخالفة للشريعة وجاء هذا البند كثمرة لتوطيد العلاقات مع جماعة الإخوان.
بقيت القوانين التي تُميز بين المرأة والرجل على حالها رغم توقيع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سيداو عام 1980 إلا إذا ما تم استثناء بعض قوانين العمل ومنح المرأة حقها في إعطاء جنسيتها وهذه ايضاً قُيدت بشروط وهي أن يكون الطفل مولوداً في البلاد أو مجهول النسب.
ساهمت الحركة النسوية المصرية في منح الجنسية لأبناء الأم دون استثناءات في عام 2004 وهو انجاز ليس بقليل، جاء نتيجة لتطور الفكر النسوي في مصر منذ تسعينيات القرن الماضي.
من ناحية أخرى بقيت الممارسات الموجهة ضد المرأة في تلك المنطقة على حالها. عادات وتقاليد كثيرة ما تزال مسيطرة على المجتمع تُهين المرأة وتقلل من قدرها مستمرة إلى الآن. لا تغيب عن ذاكرة المصريين حادثة الأربعاء الأسود عندما اعتدى مؤيدي الرئيس حسني مبارك في 25 من أيار/مايو 2005 جسدياً وجنسياً على الصحفيات والمتظاهرات دون محاسبة من السلطات. في مصر عرف التحرش والاغتصاب بأنه أداة السلطة من أجل الضغط على المعارضات، عدا انه منتشر بشكل كبير في الأوساط الشعبية.
في ساحات النضال خلال ثورة كانون الثاني/يناير2011 النساء اللواتي خرجن للمطالبة بوضع أفضل للعيش تعرضن للتحرش والاغتصاب والاعتقال وحملات تشويه عديدة، اجرت قوات الجيش كشوف عذرية لـ 17 متظاهرة وهددتهن بتلفيق تهم دعارة لهن. في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي تعرضت المعتقلات للتحرش والاغتصاب الجماعي. وهو ما أعترف به القائد السابق بالجيش المصري، اللواء حسن الرويني، الذي كان يشغل منصب قائد المنطقة الشمالية العسكرية إبان ثورة كانون الثاني/يناير 2011.
النساء اللواتي ساهمن في إنجاح ثورة 2011 تم اقصائهن بشكل كامل، وتم تجاهل مطالبهن. مُثلت النساء في لجنة الدستور لعام 2012 بشكل ضعيف، أزيلت صور الرائدات النسويات اللواتي لم يكن يرتدين حجاباً من المناهج التعليمية، ألغيت مناهج التاريخ التي تشير إلى مساهمة المرأة المصرية في تاريخ الحركة الوطنية لتحرير البلاد، وازداد التمييز بين النساء والرجال من جهة والنساء المحجبات وغير المحجبات من جهة أخرى.
رداً على ممارسات النظام السابق أقبلت النساء بشكل كبير على استفتاء دستور عام 2013 والذي هو تعديل للدستور السابق مع الوعود بتطبيق بنوده الداعمة لقضايا المرأة. بقي الدستور حبراً على ورق، لجنة الخمسين رفضت إقرار الكوتا بجميع أشكالها رغم إصرار النساء على ذلك، واكتفى الدستور بإقرار مادة تسمح بوجود كوتا للمرأة في المجالس المحلية المنتخبة.
اما العنف ضد المرأة فلم يتغير، تكشف التقارير المحلية والدولية أرقام مرتفعة في نسبه، بحسب احصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء لعام 2018 وصلت نسب العنف إلى أكثر من 42 بالمئة، بيد أن هذه الأرقام غير حقيقية في مجتمع يُعيب المرأة التي لا ترضخ للعنف، النساء يُربين على أن تعنيفهن حق من حقوق الرجل وعليهن القبول به. ينتشر العنف بشكل أكبر في الأوساط الفقيرة، الفقر والجهل يساهمان بشكل كبير في إخضاع المرأة وممارسة العنف ضدها.
تتذبذب نسب التعنيف بين عام وآخر إلا أنها بقيت دون المأمول، كشفت الاحصائية سابقة الذكر أن 86 بالمئة من المعنفات يعانين من مشاكل نفسية، حالات عديدة قامت بنقلها وسائل الإعلام.
في عام 2014 نص قانون العقوبات على تجريم التحرش وإيقاع عقوبة لا تقل عن سنة لكل من يتعرض لامرأة، شملت العقوبات التحرش على شبكات الإنترنت أيضاً. مع ذلك غض النظر عن التحرش الممارس من قبل أجهزة الدولة.
جرائم الشرف التي بدأت محاربتها منذ عام 1997 من خلال منظمات نسائية وحقوقية، لم تستطع تغيير العقوبات المنصوص عليها في الدستور. مصر هي الأولى عربياً في ارتكاب جرائم الشرف، هذا الموروث القديم في المجتمع المصري والموجود منذ أيام الفراعنة لا يزال حتى اليوم.
تسجل المناطق الريفية والنائية والصعيد أعلى نسب في تزويج القاصرات. في كل عام تقدم الأمهات القاصرات دعاوى لإثبات زواجهن وإثبات نسب الأطفال بالتالي. مع أن القانون يمنع زواج من هم دون 18 عاماً إلا أن القائمين عليه لا يتخذون خطوات جدية لمنع ذلك. بالمقابل تعاني النساء على مختلف مذاهبهن وانتماءاتهن من الطلاق، المرأة المسلمة تواجه الطلاق التعسفي، فيما لا تستطيع المسيحية إنهاء الزواج لارتباطه بالكنيسة. تسجل البلاد معدلات مرتفعة، خاصة في المدن بينما تعاني الفتاة الريفية من عدم قدرتها على الطلاق لارتباطه بمفهوم العيب.
الاجهاض أكثر القضايا الشائكة في العصر الحديث، يتم حرمان المرأة المصرية منه أو اجبارها عليه بحسب رغبة الرجل. تمنع القوانين والتقاليد النساء من امتلاك حقهن في الاجهاض. لا تراعي القوانين الحمل الناتج عن الاغتصاب أو سفاح المحارم ولا حتى الأوضاع المعيشية الصعبة في البلاد.
تغتنم النسويات المصريات ونساء العالم اليوم العالمي للإجهاض الآمن في 28أيلول/سبتمبر من كل عام، للمطالبة بمنح النساء حق الاجهاض وعدم اجبارهن على الاحتفاظ بجنين لا يرغبن فيه، لكن لا حياة لمن تنادي.
انتشرت العديد من الحملات المطالبة بمنح النساء حق الإجهاض الآمن، في عام 2018 أطلقت 14 منظمة نسائية، وحزب سياسي، والعشرات من الشخصيات العامة في مصر حملة "أوقفوا القهر... أيادينا ملطخة بدماء النساء".
تجبر المرأة على الاحتفاظ بالجنين لكن عند حالة الطلاق يؤخذ منها، يستغل الرجل قضية النفقة ويجبر المرأة على منحه حضانة أطفالها، لا يحق للمرأة الاحتفاظ بطفلها حال تزوجت. لم يتغير القانون رغم المطالبات بإلغاء الفقرة التي تحرم الأم من طفلها حال تزوجت على عكس الرجل. لم يتغير القانون رغم تعرض نسب كبيرة من الأطفال للتعنيف في ظل حضانة الأب.
الختان... الشكل الأكثر وحشية للعنف
الختان ليس جديداً على دول قارة أفريقيا ومنها مصر، يمتد تاريخه إلى عهد الفراعنة. تسجل البلاد نسب عالية من الختان تصل احياناً إلى أكثر من 92%. ففي عام 2014 احتلت مصر المركز الأول عالمياً. لم تستطع القوانين الدولية وحتى الوطنية منها إنهاء الختان، حتى وقت قريب كانت العمليات تجري في العيادات أو على أيدي مختصين.
بدأت جهود محاربته منذ عام 1920 بشكل فردي، ثم بصفة رسمية منذ عام 1994، وحتى الآن، وفي عام 2008 صدر قانون يجرمه. المنظمات الحقوقية والنسائية والحكومية تطلق حملات مناهضة له بالتزامن مع اليوم العالمي لمناهضته الذي يصادف السادس من شباط/ فبراير من كل عام، إلا أن نسب الختان لم تقل إلا بشكل طفيف.
في عام 2017 تم الإعلان أنه سيكون عاماً للمرأة، ومن خلال ذلك تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة والاستجابة لمتطلباتها، أولت الاستراتيجية اهتماماً بالمرأة الريفية والمرأة المعيلة والفقيرة، النساء المسنات وذوات الاحتياجات الخاصة أيضاً. مع ذلك ما تزال حقوق المرأة في مصر مرهونة بالسلطة لكن النساء لا يتوقفن عن النضال من أجل تحصيل حقوقهن.