عضوة حراك "انتفضي" تطالب بتحالف النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحت لواء موحد
في ظل المستويات المقلقة من عدم المساواة المنهجية التي تعاني منها النساء في العراق، هناك الكثير من القوانين التي تراوح مكانها في البرلمان، في وقت تستعد فيها القوى السياسية لإجراء الانتخابات البرلمانية التي قد تبدأ قبل منتصف العام الجاري.
مالفا محمد
مركز الأخبار ـ يشهد العراق جدلاً محتدماً بشأن مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، الذي يُعتبر أحد أكثر القوانين تقدماً في تاريخ البلاد، رغم محدودية الحماية القانونية للنساء، فضلاً عن المعايير الاجتماعية السائدة التي تزيد من التحديات المستمرة، وهو ما يظهر سير الجهود التشريعية باتجاه تراجع حقوق المرأة وليس العكس.
تقول سكرتيرة حراك "انتفضي" النسائي طيبة سعد، وهي عضو رابطة المرأة العراقية، وكذلك عضو تحالف 188 الذي انبثق في آب/أغسطس الماضي، أن الحركة النسائية ووضع النساء في العراق في تراجع، مشيرةً إلى أن وضع النساء في فترة الأربعينات كان أفضل مقارنة بالوقت الراهن "لقد كانت البنية الحاكمة في القرون المنصرمة نوعاً ما مدنية رغم أنه كان هناك احتلال وجبهتين قومية وشيوعية، بالإضافة إلى وجود فصائل إسلامية ولكن ليس بمستوى التشدد الذي نعاني منه في الوقت الحاضر، إن المرحلة ما بعد عام 2003 هي حرب سياسية واجتماعية ضد النساء، لأن الثقافة الحاكمة في العقدين الأخيرين المتأرجحة ما بين الأحزاب السياسية والتيارات القومية العشائرية، هاتين الفئتين تمدان النظام الرأسمالي بمجمل أدوات السيطرة والقمع على المرأة".
وعن الطبيعة العشائرية التي تسيطر على البلاد تقول "العشائر موجودة منذ زمن بعيد ولكن لم تكن بتلك القوة في البلاد مثلما هي الآن، فقد اكتسبت قوة وسلطة للتحكم في كافة فئات المجتمع؛ من الجماعات الدينية المتشددة"، لافتةً إلى أنه في العراق هناك 72 فصيل مسلح متشدد إن كان من الجماعات الشيعية أو السنية، متسائلةً كيف اخترقت هذه الفصائل المسلحة المجتمع العراقي؟ "لقد دخلت قلب المجتمع من خلال الوصول إلى مقاليد الحكم، وعلى إثرها منحت العشائر القوة وأصبحت مصدر قوة في البرلمان لتتوزع على كافة مفاصل الدولة، فأصبحت هي المتحكم بالمجتمع العراقي والسياسة والاقتصاد والحكم، لذا أصبحت أعلى سلطة في البلاد، وهو ما انعكس على وضع النساء".
وأوضحت أنها تختلف مع النسويات في أن المرأة تعامل من الدرجة الثانية "المرأة في العراق تعامل من الدرجة الخامسة، فعلا سبيل المثال، من المتعارف أن القاطنين في الأرياف عندما يتجهون نحو المدينة يتأثرون بها، ولكن في بغداد حدثت هجرة من الريف إلى العاصمة، ولكن هؤلاء الذين جاؤوا إلى المدينة وخاصة المنتمين للعشائر، لتغيير النمط وتشبيهها بالريف وعاداتها العشائرية البالية منها، وهو الأمر الذي يشكل خطراً وبالتحديد على النساء".
ولفتت إلى أن الاحتلال الأمريكي للعراق وهيمنة دول الجوار كإيران والسعودية بالإضافة إلى الأطماع الخارجية وضعف الحكومة التي هي أساساً ميليشيات، أدت جميعها إلى سوء وضع النساء في العراق، لأنهم بدأوا يتدخلون في أبسط حقوقها، وذكرت مثالاً على ذلك قائلة أن المرأة اليوم ليس بإمكانها الخروج لوحدها في ساعات المساء فمن الممكن التعرض لها بأي شكل من الأشكال سواء من قبل القوات الأمنية أو مضايقات من قبل المجتمع وكذلك العشائر حيث ينظر لهن بدونية"، مؤكدةً على أن جميع حقوق المرأة العراقية مسلوبة.
وحول التضامن النسوي أوضحت "قبل انتفاضة تشرين التي اندلعت عام 2019، كانت المنظمات النسوية تعمل بشكل منفرد، رغم أنها حاربت جميع القرارات والتغيرات التي حاول الإسلام السياسي من خلال السيطرة على المنطقة، وقد شهدت البلاد آنذاك الكثير من الوقفات الاحتجاجية والمسيرات، لقد بذل جهد كبير حتى تمكنت المناضلة اليسارية والناشطة في مجال حقوق الإنسان هناء ادور من دخول البرلمان، حيث رفضت تغيير قانون الأحوال الشخصية وكانت مواقفها صارمة".
ولفتت إلى أنه رغم كثرة تلك الوقفات إلا أنها لم تنجح لأنها كانت فردية "بعد الانتفاضة التي أحدثت تغيرات على التحرك النسوي، حيث كان هناك وعي نسوي كبير، وانبثقت العديد من التنظيمات النسوية من بينها حراك "انتفضي" النسوي الذي انبثق من معاناة المرأة العراقية، وهو يتواجد في خمس محافظات عراقية، وله العديد من النشاطات والحملات التوعوية والحقوقية، ويضم العديد من الشابات وهو ما كنا نفتقر إليه سابقاً بسبب الخوف الذي كان يتملكهن، فأغلب المنظمات النسوية كانت تضم فئات كبيرة في السن بالطبع ذات خبرة"، مشيرةً إلى أن انتفاضة تشرين كانت السبب في أن تكون الحركة النسوية أفضل حالاً بعض الشيء مقارنة بالفترة التي سبقتها، والدليل أنه كان هناك تضامن نسوي في الهجمة على حقوق المرأة.
وفي ظل وجود نظام تعددية ومحاولة لإشراك جميع الطوائف في العراق ولكن المرأة مهمشة وربما هذه السياسة لم تجري بالطريقة الصحيحة وقد شكلت الطائفية مأساة للشعب العراقي كما أوضحت وخاصةً للمرأة، مشيرةً إلى أن العراق تهيمن عليها رجال الدين، ورغم محاولات إدخال النساء إلى البرلمان إلا أنهن مجرد أبواق للأحزاب إسلامية، أي أنهم يأتون بالنساء ويتم إشراكهن بالسلطة التشريعية ليظهروا شكلياً فقط أنهم يساوون بين الجنسين وهناك نساء في المجال السياسي وتتقلدن مراكز صنع القرار، ولكنهن تبقين أدوات في يد الأحزاب التي تسيطر عليها الرجال".
وعن الاستعداد للانتخابات البرلمانية التي قد تبدأ قبل منتصف عام 2025 في وقت لا يزال حجم التمثيل النسوي ودوره ضعيفاً حتى أن نسبتهن في البرلمان العراقي لا تتعدى ربع عدد النواب الكلي، تقول طيبة سعد "المشكلة التي دائماً ما نواجهها أن الانتخابات غير عادلة وتخضع للمحاصصة، وبالرغم من وجود الكوتا لكن التمثيل النسائي يظل قليلاً وهناك صعوبة في ولوج معترك الانتخابات، لأنه لتتواجد النساء داخل قبة البرلمان يجب أن تكون المرأة مسنودة من جهات إسلامية، ومن عشائر، إن منظومة الانتخابات في البلاد فاسدة".
ووفقاً لطيبة سعد فإن الأحزاب عموماً تنظر للنساء في البرلمان كمجرد أرقام بلا دور حقيقي، بعد أن فرض الدستور وجودهن التكميلي للصورة أي أن الدور الذي تلعبه البرلمانيات العراقيات ما يزال موضع تشكيك، كما أنه بناءً على ذلك تنأى الكفاءات النسوية بنفسها عن الترشح.
وعما يمكن فعله لتكون هناك مشاركة فاعلة للمرأة في المؤسسة التشريعية وإحداث التغيير الاجتماعي المنشود تقول "يجب العمل على الدفع بالنسويات وخاصة اللواتي تمتلكن الكفاءة للولوج إلى البرلمان، كبناء تحالفات كبيرة، وهناك تحركات نسوية ليكون هناك تمثيل حقيقي للنساء داخل قبة البرلمان، نحن نسعى لأن يكون هناك تمثيل نسائي خلال الانتخابات المقبلة، لأخذ حقوقنا داخل المجتمع العراقي".
وأشارت طيبة سعد إلى أنه هناك الكثير من القوانين تراوح مكانها في البرلمان كقانون الحماية من العنف الأسري، وأحد الأسباب تعود إلى ضعف دور البرلمانيات "إن المنظومة الحاكمة هي عبارة عن إسلام سياسي ومنظومة ميليشيات وعشائر، لذا لن يكون من صالحهم أن تكون المرأة قوية داخل المجتمع، فإذا ما كانت فعالة وتلعب دورها السياسي وغيره، ستكون عقبة في مسيرتهم التي يحاولون ترسيخها في المجتمع".
وحول ما شهدته البلاد من جدل بخصوص ما يُعرف محلياً بـ "القضايا الخلافية"، وأبرزها مشروع قانون "الأحوال الشخصية"، الذي تطالب به قوى برلمانية فيما ترفضه قوى أخرى، حيث أثارت التعديلات بما في ذلك اقتراحات خفض سن الزواج القانوني إلى 9 سنوات، غضب جماعات حقوق الإنسان التي تحذر من زيادة زواج الأطفال والاستغلال، تقول طيبة سعد أن العراق يستند إلى قانون عام 1959، الذي كان يحتل الدرجة الأولى في الشرق الأوسط، وقد كان للناشطة العراقية نزيهة الدليمي دور بارز في صياغته، ولكن بعد عام 2003 أصبحت هناك محاولات تشويه للقانون "نحن كنسويات كان لنا ملاحظات واعتراضات على القانون الأصلي، ولكن ما يتم العمل به الآن أيضاً يشكل خطراً على الفتيات، ففي العراق حتى الآن لا يوجد محكمة للأسرة".
ولفتت إلى أنه قبل إثارة الجدل حول مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية عام 2023، كان هناك تحرك كبير من أجل قانون الحضانة والاغتصاب "عندما تتعرض أي فتاة أو امرأة للاغتصاب يتم معاقبة الجاني بالسجن 7 سنوات، ولكن من الممكن أن يسقط ذلك الحكم إذا ما وافقت الضحية الزواج بمغتصبها، وهو ما نددنا به، وأعددنا مسودة تحمي المرأة والطفل كذلك".
ونوهت إلى أن النساء في العراق يعانين من مستويات مقلقة من عدم المساواة المنهجية في بلد طغت عليه عقود من الصراعات والتعقيدات الثقافية "دائماً ما تطالب النسويات بالمساواة، وأن يتم تعديل قانون الأحوال الشخصية بحيث يواكب الأوضاع والتطورات، وإحداث تغييرات متطورة، ولكن ما يحدث أنه يتم إرجاعنا إلى نقطة الصفر فيما يتعلق بحقوق النساء".
وحول الأسباب الكامنة وراء سير الجهود التشريعية باتجاه تراجع حقوق المرأة وليس العكس تقول "إن النساء في الشرق الأوسط أجمع تشكل رعب وتثير الخوف لدى الإسلام السياسي، لأنهم يدركون قدرات المرأة وإمكانياتها، لذا يسعون لكسر إرادتها والحط من شأنها من خلال فرض تشريعات تنسف حقوقهن".
لقد اتحدت جميع المنظمات النسوية تحت تحالف "188"، الذي يضم قرابة الـ 50 منظمة وحراكات شبابية، وقد تمكنوا من خلالها إلى إيصال صوتها للمجتمع الدولي، وطالبت بتحالف النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحت لواء يمتد إلى الدول الأوروبية "ليصل صوتنا إلى العالم أجمع، ويحدث صدى أكبر".
وحول المستجدات على الساحة الشرق أوسطية وشمال أفريقيا والنزاعات والصراعات والحروب التي تشهدها، وتأثيرها على وضع المرأة تقول "توجد العديد من الروابط المشتركة ما بين العراق وسوريا ولبنان وغيرها من دول الجوار، فالتغيرات بنظام الحكم والتغيرات الاجتماعية والديمغرافية يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على شعوب المنطقة، ومن ضمنها الإطاحة بالنظام السوري السابق".
وعن مدى تأثير التغيرات الإقليمية وخاصة ما تشهده سوريا ونظامها الجديد على النساء في العراق تقول "النظام السوري السابق لم ينصف الشعب، وبشار الأسد كان ديكتاتوراً، ولكن ما حصل هناك اعتبرها نقطة سوداء في تاريخ الشرق الأوسط، لأن الذي حصل عبارة عن سيطرة الميليشيات بطريقة غير شرعية على السلطة، وهي امتدادها من العراق، فبؤرة تلك الجماعات الجهادية واحدة، وهي لن تأتي بأفكار تنويرية وعلمانية وديمقراطية، بل أتت بأجندات تحمل في طياتها الظلام للشعب السوري وعموم المنطقة".
وأكدت على أن هذا الامتداد سيؤثر على العراق ونسائها من كافة الجوانب سواء السياسية أو الاجتماعية وغيرها "تلك الجماعات التي سيطرت على السلطة في سوريا، هي إحدى أوجه الإسلام السياسي المتشدد، وهي سلسلة متشابكة للجهاديين المتواجدين سواء في اليمن أو السودان أو العراق أو سوريا جميعهم يحملون ذات الأجندات لتحقيق مصالح الإمبرياليين في منطقتنا".
ولفتت إلى أنه أول ما بادروا إلى تغييره في البلاد هو تغيير التشريعات والقوانين خاصة تلك المتعلقة بالنساء "التاريخ يعيد نفسه، فما حصل في العراق يعاد في سوريا، وسيتم التعدي على حقوق السوريات، لذا يجب الإسراع والتصدي لها وتوحيد الصف النسوي بكافة الأقطار لحماية النساء أينما كن"، وترى أنه كان يجب أن يكون هناك انتقال ديمقراطي علماني، وأن المشهد سيؤثر سلباً على النساء في سوريا والشرق الأوسط أيضاً، مشيرةً إلى أنه في جميع الحروب الداخلية والأزمات نلاحظ أن النساء هن حائط الصد الأول لها.
وتابعت "عندما يتغير أي نظام في أي بلد كان، أول ما يبادر بفعله هو استهداف التنظيمات النسوية، ويصنعون كما في سوريا والعراق خط ثالث نسويات إسلاميات يحاولون الالتفاف حول النساء وتشويه سمعة النسويات اليساريات والديمقراطيات والعلمانيات، وهو ما يتوجب أن نتصدى له وبقوة".
وحول مخاوف النساء من عودة داعش وتكرار سيناريو ما شهدته العراق عام 2014، تقول "هناك العديد من الخلايا النائمة لداعش في المحافظات العراقية، حتى أنه تم محاولة زعزعة الأمن في الآونة الأخيرة، لذا يجب الوقوف في وجه تلك الجماعات وعدم السماح لها بالتمدد والقضاء على النساء وجهودهن في التطور والتنمية والمشاركة في صنع القرار، ولعب دورهن في إدارة البلاد".