صحفية توجه رسالة إلى الصحفيين: اللغة لها قوة

في حديثها خلال كونفرانس السلام والمجتمع الديمقراطي، خاطبت الصحفية نادرة ماطر الصحفيين قائلة "هناك طريقة لقول كل شيء؛ فجميع الصحفيين، من التيار الرئيسي إلى المعارضة، لديهم مسؤولية كبيرة".

مركز الأخبار ـ تحدثت الصحفية والكاتبة نادرة ماتر في الجلسة الثانية من كونفرانس "السلام والمجتمع الديمقراطي" الدولي الذي عقده حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM) في أمس السبت السادس من كانون الأول/ديسمبر، بالعاصمة إسطنبول.

بدأت نادرة ماطر حديثها بالعودة إلى التسعينيات، حيث أشارت إلى إطلاق مجلة "سوكاك غازيتيسي" في كانون الثاني/يناير عام 1990. وأوضحت أنها كانت ضمن الفريق الذي عمل على إصدارها طوال سبعة أشهر، مؤكدة أن المجلة آنذاك سعت إلى تناول موضوعات لم يكن يُكتب عنها في تركيا. وبالنظر إلى تلك التجربة اليوم، ترى أنها نجحت، ولو جزئياً، في تسليط الضوء على الكثير من القضايا التي كانت مغفلة.

وأضافت "في كانون الثاني 1990 نشرنا تقريراً رئيسياً بعنوان "أنهوا الحرب في الشرق"، وقّعه عدد من المثقفين الكرد والأتراك. كانت هذه المبادرة متأخرة بالنسبة لنا كصحفيين، لكنها بدت مبكرة جداً على الساحة السياسية. ومع صدور هذه الدعوة، واجهنا ردود فعل متباينة؛ فهناك من تساءل باستغراب "وهل توجد حرب أصلاً؟"، فيما تلقّى آخرون انتقادات قاسية وصلت حد التوبيخ، من قبيل "هل من مسؤوليتكم إيقاف الحرب؟ أأنتم من أشعلها حتى تتدخلوا الآن في هذه القضايا؟".

 

"مطالبنا كانت مثل مطالب أوجلان"

وأوضحت نادرة ماطر، وهي تستعيد ما جرى عقب غارة "إيروه" والضغوط التي واجهها الأهالي، قائلة "لقد مضت ست سنوات ونصف منذ تلك الغارات في كانون الثاني 1990، ولم يكن حينها مبكراً أبداً للحديث عن السلام. ففي التسعينيات، جاءت تصريحات عبد الله أوجلان التي بُثت عبر التلفزيون، إلى جانب المقابلة التي نشرناها معه في عددين من مجلة "سوكاك"، لتؤكد أن المطالب التي طرحناها في المجلة كانت منسجمة تماماً مع تلك الطروحات. وبعد ثلاث سنوات، في عام 1993، تولى تورغوت أوزال السلطة، ليُعلن أول وقف لإطلاق النار في تركيا. غير أن هذا المسار لم يستمر طويلاً؛ إذ سرعان ما انهار إثر مقتل 33 جندياً في أيار، ما أدى إلى تعطيل أو إنهاء ذلك الوقف الأول لإطلاق النار".

أكدت نادرة ماطر أن الصحفيين يمتلكون القدرة على خلق مساحات جديدة لتطوير لغة السلام، مشيرةً إلى أن صحيفة "أوزغور غوندم" بدأت النشر في تلك الفترة. وقالت إنها "تحيي ذكرى الزملاء والأصدقاء الذين فقدوا حياتهم أثناء عملهم هناك، حيث شكّل ظهور الصحيفة نسمة هواء جديدة وتجربة مختلفة تماماً؛ إذ انتقلت كردستان، بطريقة ما، إلى قلب إسطنبول. كان ذلك حدثاً ذا دلالة كبيرة، لكنه لم يكن مقبولاً لدى البعض".

وأوضحت أن العديد من المراسلين العاملين في شمال كردستان تعرضوا للقتل أو السجن، وأن المجتمع الإعلامي لم يتمكن حينها من الدفاع بما يكفي ضد جرائم قتل الصحفيين، لكن مع اغتيال الصحفي متين غوكتيبي عام 1996، تغيّر الوضع، إذ وصلت الجريمة إلى إسطنبول نفسها، كما حدث سابقاً في برلين خلال احتفالات عبد نوروز عام 1992. ومن هنا بدأ يتشكل موقف أكثر صلابة تجاه استهداف الصحفيين.

وأشارت إلى أنه في تلك الحقبة كانت وسائل الإعلام تحت تأثير المؤسسة العسكرية، ومع ذلك ظل الصحفيون يجدون طرقاً للتعبير، مؤكدةً أن التجربة تثبت أن الصحفي، أينما كان، يستطيع أن يخلق لنفسه مساحة داخل الإعلام، وأن هناك دائماً وسيلة للتعبير عن أي فكرة أو قضية.

 

"اللغة لها قوة"

وأوضحت نادرة ماطر أن "اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي أداة لتشكيل الواقع وصناعة المفاهيم. فمن خلالها تُبنى السلطة، ويُصاغ الإعلام، وتُروى الأخبار. وعليه، عندما يتم وصف الحرب بأنها "حرب إرهاب"، فإننا نغلق الباب أمام إمكانية المطالبة بالسلام، لأن توصيف المقاتلين بـ"الإرهابيين" يرسّخ بالضرورة فكرة حرب الإرهاب".

وفي ظل الظروف الراهنة، يظهر التناقض بوضوح فبينما يُشار إلى دولت بخجلي بوصفه "القائد المؤسس"، لا تزال بعض وسائل الإعلام تضيف أوصافاً معينة إلى الأخبار، وكأنها تدعم مسار الحل والسلام في الوقت نفسه. هذا التناقض يحمل أهمية بالغة في هذه المرحلة الحساسة التي نعيشها.

 

"كل صحفي لديه مهمة يجب أن يقوم بها"

قالت نادرة ماطر "في هذه المرحلة، يُطرح الحديث عن الحل وعن العملية، لكننا لا نملك حتى تسمية واضحة لها، وهو أمر بالغ الأهمية. نحن نتناقش حول شيء لم يُعرَّف بعد، في ظل وجود دراسات لجان وتطورات أخرى، ومع ذلك نحاول المضي قدمًا دون الانغماس في التفاصيل غير المحددة".

أما المشهد الإعلامي، فتكاد تنعدم فيه الأصوات المستقلة عن مراكز السلطة، وتوضح نادرة ماطر أن "الصحف والصحفيون يعيشون حالة من اليأس والضبابية؛ ومع بعض الاستثناءات، فقدوا الحماس لنقل الأخبار كما ينبغي. ومع تزايد المخاطر والتهديدات، يختار كثير منهم الصمت أو الاكتفاء بأخبار لا تُثير إشكالات".