القمع الثقافي... تهديدات وقيود على المكتبات في شرق كردستان
في الوقت الذي تُعدّ فيه المكتبات رموزاً ثقافية في كثيرٍ من الدول، تواجه شرق كردستان ضغوطاً متزايدة، حيث انطلقت هذه الحملة من مراقبة المحتوى الروائي والفكري وامتدت تدريجياً حتى وصلت إلى فرض قيود على عمل المكتبات نفسها.

شبنم رحيم زاده
بوكان ـ لطالما شكلت العلاقة بين السلطة والمعرفة ساحة صراع حاسمة في تاريخ الشعوب، حيث تتخذ الأنظمة الاستبدادية من التحكم في الكلمة وسيلة لكبح الوعي الجماعي وتتجلى هذه المعادلة بوضوح في السياسات الثقافية للجمهورية الإسلامية، التي لم تقتصر على التضييق على حرية التعبير، بل امتدت إلى تشكيل محتوى الكتب وتقييد تداولها.
بمراجعة التاريخ نجد أن الحكومات الاستبدادية ألقت بظلالها الأولى على الكتب والكتابة والأقلام، ففي حكومات مثل الجمهورية الإسلامية تُعد المقاومة جزءاً من الحياة، وتواصل الطبقة المستنيرة من المجتمع بصمودها أمام سيل الرقابة في مختلف الحقب التاريخية، من القاجاريين والبهلويين إلى الجمهورية الإسلامية عبر الاستمرار في نشر الكتب التثقيفية والمستنيرة. وتعد المكتبات ودور النشر جزءاً أساسياً من هذه المقاومة الثقافية، مما يجعلها هدفاً مباشراً لسياسات القمع والتضييق، وفي الأسابيع الأخيرة تصاعدت الضغوط المفروضة على المكتبات في منطقة شرق كردستان بشكل ملحوظ في سياق حملة متواصلة من الرقابة والتحريف والإنكار، بما يتوافق مع السياسات الثقافية الرسمية التي تهدف إلى كبح حرية الفكر والتعبير.
من الرقابة المنهجية إلى حرب النشر
شهدت السنوات الأخيرة تغييرات واسعة في محتوى العديد من الكتب داخل الجمهورية الإسلامية، شملت تعديلات أيديولوجية في كتب الأطفال، وحذف أجزاء كاملة من المؤلفات التاريخية ضمن سياسة رقابية صارمة، كما أصدرت دور نشر تابعة للحرس الثوري الإيراني وكالة "فارس" إلى جانب مؤسسات مثل "سوره مهر" و"مؤسسة الدراسات والبحوث السياسية" عشرات العناوين التي تتهم بتضليل الرأي العام وتشويه التاريخ وتقديم تحليلات منحازة تهدف إلى إضعاف الحركات السياسية في شرق كردستان.
وحول هذا الموضوع قالت (سارا، ث) وهي باحثة في التاريخ من مدينة بوكان، إن الجمهورية الإسلامية تسعى من خلال هذا الهجوم الثقافي إلى تقديم صورة معكوسة عن الحركات التقدمية والعدالة الاجتماعية التي نشأت من صميم التاريخ، والتي تطورت كرد فعل على معاناة الشعب الكردي في جميع مناطق كردستان، وتؤكد أن جمهور هذه الكتب لا يشمل الكرد بالدرجة الأولى بل يستهدف شعوباً أخرى في إيران بالإضافة إلى الباحثين الذين يجهلون تاريخ كردستان وربما الأجيال القادمة، مؤكدةً أنه رداً على هذا القمع أخذت المنشورات المستقلة على عاتقها الوقوف في وجه التعديات على التاريخ والثقافة من خلال نشر الحقيقة في شرق كردستان وأجزاء أخرى من كردستان والعالم.
تزايد الضغوط على مكتبات شرق كردستان
بعد حرب الاثني عشر يوماً، وفي الأسابيع الأخيرة بدأت الضغوط الأمنية على جميع المكتبات في شرق كردستان بما في ذلك مهاباد، سقز، بوكان، بانه، وتعتبرهم الجمهورية الإسلامية أعداءً لجهازها الأيديولوجي، وقد تلقى عدد من بائعي الكتب ممن سبق لهم التعرض لمثل هذه المواجهات تحذيرات من بيع كتب غير المرخصة، كما تعرض آخرون لضغوط من قوات الأمن من خلال الاستدعاءات والاحتجاز المؤقت ومصادرة الأجهزة الإلكترونية، بما في ذلك الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، وفي هذا الصدد أكدت شيدا أحمد زاده (اسم مستعار) صاحبة مكتبة بوكان، أنه خلال هذه الحملة الأمنية صودرت الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وكتب بعض البائعين، كما أُجبر بعضهم على توقيع نماذج تعهد إلزامي بعد استدعائهم أو اعتقالهم تحت الضغط، مشيرةً إلى أن مكتبات شرق كردستان هي المركز الحقيقي للتثقيف وهذا ما أثار قلق السلطات.
تحذيرات بشأن الكتب المحظورة
ووفقاً لنرمين أميري (اسم مستعار)، وهي بائعة كتب في إحدى مكتبات مدينة مهاباد، فإن الكتب المتعلقة بالتاريخ والبيئة هي من بين أكثر الكتب التي تثير حساسية الأجهزة الأمنية من حيث توزيعها "في السنوات الأخيرة تم إدراج كتب مثل إيكولوجيا الحرية لصاحبه موراي بوكشين وكتاب "ظل كاليبرد فوق الألمان والمنقذ" لمؤلفته ملكة مصطفى سلطاني، وشقائق النعمان على أرضٍ صخرية من تأليف كولرخ غوبادي، بالإضافة إلى العديد من الكتب الكردية التي تُطبع غالباً في إقليم كردستان ضمن قائمة الكتب المحظورة، وقد واجه الكثير من الأشخاص تعاملات أمنية بسببها في السنوات الأخيرة".