معركة الحياة اليومية... مقاومة المرأة الفلسطينية من أجل أطفالها
بالرغم من الحصار والموت والدمار في قطاع غزة، إلا أن المرأة الفلسطينية تواصل كفاحها اليومي لحماية أسرتها وتأمين أدنى متطلبات الحياة لهم وسط معاناة تفوق الوصف.
نغم كراجة
غزة ـ تقف المرأة الفلسطينية في مواجهة الموت والدمار وهي تحمل عبء الحياة على عاتقها حيث تتحول مآسي الحرب إلى معارك يومية للبقاء، وفي خضم الحصار والحرمان تواجه بشجاعة معاناة النزوح، بينما تحارب لتوفير حياة كريمة لأطفالها وسط الفوضى مجسدة بذلك معنى المقاومة الحقيقية.
كانت أحلام الرفاعي، الأم التي نزحت من حي "الزيتون" إلى المناطق الشرقية من غزة، تعيش لحظةً أخرى من لحظات الاقتراب من الموت، لحظة غدت مألوفة في حياتها المليئة بالمآسي، كانت قد رفضت النزوح إلى جنوب القطاع رغم التهديدات المستمرة، مصرة على البقاء قرب منطقتها، حيث رأت في منطقة الجنوب معاناة من قسوة الازدحام السكاني، بالإضافة إلى الفقر والمرض، وتقول بصوتٍ يحمل وجعاً لا يخفى "كان الجحيم هنا وهناك، ولكن الجنوح للذل والمرض أصعب من مواجهة النار المباشرة".
ولم يدم خيارها بالبقاء طويلاً، فقد أجبرتها الغارات المتصاعدة على النزوح إلى مركز إيواء وسط مدينة غزة، حيث واجهت ظروفاً أشبه بالجحيم ذاته الذي أرادت الهروب منه "كانت الرحلة أشبه بالعبور إلى المجهول، تركت كل شيء خلفي، منزلي، ذكرياتي، وكل ما يربطني بمكاني".
وفي مركز الإيواء، كان عليها التعامل مع حياةٍ صعبة تفتقر إلى الأساسيات، حيث قضت أياماً لا تُنسى في محاولات مضنية لإطعام أطفالها وتأمين أدنى متطلبات الحياة.
وفي منتصف حزيران/يونيو الماضي، استيقظت أحلام الرفاعي مع أول خيوط الشمس، وهي تفكر في كيفية تدبير وجبة الإفطار لأطفالها الذين طال انتظارهم للطعام، أخرجت إحدى العلب المحفوظة وبدأت تسخينها باستخدام نار أوقدتها من حطب جمعت أجزاءه بيدها المرتجفة، وأثناء نزولها من الطابق الثاني في مركز الإيواء، كانت تركض بين الدرجات بخطى أسرع من المعتاد، عازمةً على إنهاء المهمة قبل أن يبدأ الأطفال بالبكاء.
وبصوتٍ يصم الآذان استهدفت غارة إسرائيلية محيط مركز الإيواء حيث يعيش مئات النازحين وتذكر تلك اللحظة قائلةً "شعرت وكأن روحي تغادر جسدي نحو السماء، عندما فتحت عيني للحظات قصيرة لم أرى سوى الدمار كنت أظن أنني رحلت عن هذا العالم، ولكن بعد دقائق عدت إلى وعيي ووجدت نفسي ملقاة على الأرض والدم يغطي وجهي وأطفالي يصرخون".
وفي ظل الحصار الذي فرضته الغارات على المنطقة، لم تتمكن سيارات الإسعاف من الوصول، كان على أقارب أحلام الرفاعي الاعتماد على عربة بدائية لجرّها إلى أقرب مستشفى، وتضيف "كنت أسمع أصوات بكاء أطفالي وهي تخترق أذني مثل السكاكين، لم أستطع حتى مواساتهم، حينها شعرت بالعجز الكامل".
داخل المستشفى، كان الأطباء يواجهون شحاً في الأدوية والمعدات الطبية، حيث أصبحت جراحها رمزاً آخر لمأساة النازحين "عندما نظرت إلى الطبيب، رأيت المعاناة مجسدة في عينيه من أعداد الجرحى الكبيرة التي لا مكان لها، واعتذر عن عدم توفر العلاج الكافي بينما كان يحاول تضميد جراحي بمواد بسيطة، ومكثت في المشفى نحو عشرة أيام".
وتحمل أحلام الرفاعي مسؤولية أطفالها، وكذلك عبء النزوح المتكرر دون فرصة لجمع أغراضها أو تأمين أي استقرار تقول ودموع تملأ عينيها "أحياناً أشعر أن العالم كله ينهار فوقي، لكنني لا أستطيع الانهيار يجب أن أكون قوية أمام أطفالي حتى ولو كنت ضعيفة من الداخل".
ورغم هذه الظروف، تواصل البحث عن أي طريقة لتأمين احتياجات أسرتها، حيث أنها تجمع الحطب وتطهو على النار، وتبتكر حلولاً بدائية للحفاظ على حياة أطفالها "إنه لأفضل لي أن أعاني في توفير لقمة العيش بدلاً من أن أمد يدي في طوابير المساعدات".
وأضافت "لا يوجد شيء سهل حتى شرب الماء يحتاج إلى انتظار طويل، وأطفالي يسألونني بشكل يومي متى نعود إلى المنزل؟، ولكنني لا أملك لهم الإجابة سوى أن أحتضنهم وأقول لهم قريباً".
وقالت "كل ما أريده الآن هو مكان آمن لي ولأطفالي، حتى لو كان مجرد خيمة، بعيداً عن صوت الانفجارات وألم النزوح، أريد لهم طفولة طبيعية، لكن يبدو أن هذا الحلم أصبح بعيداً".
وتعد قصة أحلام الرفاعي انعكاساً صارخاً لمعاناة آلاف النازحين في غزة، حيث لا فرق بين الموت هنا أو هناك، فالجميع يواجه قدراً مشتركاً من الألم والضياع، في كل زاوية من مراكز الإيواء، تتردد صرخات الأمهات والأطفال الباحثين عن أبسط حقوقهم.