مخيمات النزوح في غزة... معاناة تحت وطأة البرد والجوع

وسط النزوح القسري بغزة، يعيش النساء والأطفال معاناة تفوق الوصف، يكابدون فيها قسوة الحرب في خيام لا تقيهم برد الشتاء ولا تحفظ كرامتهم وسط انعدام أبسط مقومات الحياة.

نغم كراجة

غزة ـ بين أجواء النزوح القسري في غزة، تعيش آلاف العوائل أوضاعاً مأساوية تفاقمت مع قدوم الشتاء، خيام مهترئة لا تقِ من البرد أو الأمطار، وبيئة تفتقر لأبسط مقومات الحياة، تحول حياة النساء والأطفال إلى كفاح يومي من أجل البقاء.

تعيش تهاني البودي، في العقد الرابع من عمرها، معاناة لا مثيل لها بعد أن ذاقت ويلات الحرب مرات عديدة، لم يفلح النزوح من زاوية إلى أخرى في غزة في توفير حماية لعائلتها أو منحهم شعور الأمان، مخيم جباليا كان محطتها الأخيرة بعد تدمير منزلها، وبعد مرور أكثر من عام على الإبادة الجماعية في غزة، وتحديداً مع دخول العملية العسكرية الإسرائيلية في شمال القطاع شهرها الثاني، تفاقم الوضع أكثر لتصبح الحياة اليومية في المخيمات شبه مستحيلة.

حيث قالت تهاني البودي إن "الحياة في شمال القطاع أصبحت مستحيلة بعد مداهمة القوات الإسرائيلية في بداية شهر تشرين الأول الماضي، وانقطاع الإمدادات والمساعدات الإغاثية بالكامل، شعرت أن محاولاتي باءت بالفشل لكن رغم الظروف قاومت رغبة النزوح إلى آخر لحظة، حتى اضطرني تقدم القوات الإسرائيلية والآليات العسكرية للهرب، مسرعةً مع أسرتي نحو المجهول".

وتصف هذه اللحظات على أنها من أفظع ما عاشته في حياتها، حيث تقف النساء في طوابير طويلة بانتظار أوامر النزوح القسري، مرتجفات أمام بطش القوات الإسرائيلية والأمهات تشعرن بالخوف على أطفالهن، روت تهاني البودي مشهداً صادماً حيث أجبرتها القوات الإسرائيلية مع عائلتها على السير دون الالتفات للخلف، وممنوع على الأمهات التوقف لانتشال أطفالهن إذا وقعوا على الأرض، ولا تجدن سوى النساء الأخريات لمساعدتهن حيث تحملن الأطفال الذين يسقطون أو يتعثرون.

كانت هذه التجربة بالنسبة لها ومن معها لحظات حاسمة، حيث قالت إن الكلمات تعجز عن وصف ما تعرضوا له "إن مشاهد الأطفال على الأرض ونساءً تحملن أطفالاً ليسوا أطفالهن سيظل حاضراً في ذاكرتي إلى الأبد".

بعد رحلة النزوح الشاقة هذه عانت تهاني البودي كثيراً حتى وجدت خيمة تؤوي عائلتها، في أرض جرداء نصبتها بيدين مرهقتين، واضطرت للنوم مع أطفالها على بساط كونها لم تتمكن من إحضار الفراش أو الملابس، كل ما سعت له كان النجاة بحياتها وحياة أطفالها لكن الحياة في المخيمات القاسية أثبتت أنها أصعب مما كان تتصور.

وأضافت "مع حلول فصل الشتاء القاسي واشتداد البرد، ازدادت المعاناة في الخيمة التي تؤوينا ولا تقِنا من الأمطار أو الهواء البارد، وأطفالي ينامون على أرضية غير مهيأة لأي حياة إنسانية حيث تتكاثر القوارض حولنا ويفتقرون لأبسط وسائل التدفئة أو الراحة".

ترى أطفالها يكابدون الحرمان من طفولتهم، وسط بردٍ قارس وأرض مبتلة وبيئة خالية من المقومات الأساسية، مضيفةً أن معاناة الأطفال تفوق الوصف، فحتى الاحتياجات الأساسية باتت حلماً بعيد المنال، ورؤية الأطفال يتألمون من البرد دون ملابس كافية أو أغطية تدفئهم تشعرها بالعجز واليأس خاصة مع فقدان الأمل بوصول مساعدات إغاثية في وقت قريب.

وعن مأساة النازحات في المخيمات قالت إنهن تعشن بين التحديات اليومية والمعاناة المستمرة، فبالإضافة إلى فقدانهن الأمان والاستقرار، تواجهن ظروفاً قاسية بسبب عدم توفر الاحتياجات الأساسية، لا سيما في مواجهة فصل الشتاء، فالخيام مهترئة ولا توفر الحد الأدنى من الخصوصية أو الحماية، تجعلهن تواجهن الكثير من التحديات النفسية والجسدية.

 

من أكثر المشاهد التي لا تُنسى هي رؤية النساء تحتضن أطفالهن والخوف يسيطر عليهن، محاولات حمايتهم من قسوة البيئة المحيطة، بعضهن تبذلن جهوداً خارقة في تأمين القليل من الطعام أو الملابس، فيما تعمل أخريات كمتطوعات في جمع ما يمكن من مساعدات قليلة للنازحين؛ بحسب قولها.

ولفتت إلى أن "النساء تشعرن في هذه الظروف بأنهن محاصرات من كل جانب، بين الحاجة لرعاية الأطفال وتوفير الاحتياجات الأساسية التي تكاد تكون معدومة، حيث تبرز معاناتهن بشكل خاص في حالات النزوح القسري وتجبرن على العيش في خيام لا تقِهن برد الشتاء ولا حرارة الصيف، وتعانين من انعدام الخصوصية، مما يزيد من التحديات اليومية التي تواجههن، وهذا ما نعيشه أنا وجاراتي في مخيم الإيواء".

وروت تهاني البودي بحزن أن أطفالها لم يعودوا يبتسمون كما في السابق، وأن براءة الطفولة قد تلاشت تحت ثقل المعاناة "إن أحلامهم كانت بسيطة، لكنهم الآن يعيشون كابوس طويل يسيطر على أيامهم شبح النزوح المستمر والحرمان، إنها مأساة جيل بأكمله نشأ في مخيمات النزوح، محروم من أبسط حقوق الطفولة".

على الرغم من كل ما مرت به تهاني البودي، ما زالت تتمسك بالأمل، رغم الظروف القاسية "سأظل أكافح من أجل أطفالي، وسأحاول العثور على بعض الاستقرار حتى في أقسى الظروف، أحلم بعودة الأمان والاستقرار إلى غزة، حيث يمكن لأطفالي العيش بكرامة، بعيداً عن قسوة الحرب والنزوح".

لقد أصبح النزوح بالنسبة لتهاني البودي وغيرها من النساء جزءاً من حياتهن، لكنهن ما زلن تسرن على درب الأمل، على الرغم مما تواجهنه من مصاعب، متشبثات بحقهن في الحياة رغم كل التحديات.

وسط هذه الظروف القاسية، يكبر الأطفال في بيئة قاسية تكاد تلتهم طفولتهم، يقضون أيامهم بين البرد القارص حيث لا يجدون ما يقي أجسادهم الضعيفة من الهواء البارد أو الأمطار الشديدة، ورغم الجهود التي تبذلها الأمهات يبقى توفير بيئة صحية للأطفال أشبه بالمستحيل، كما يعانون من نقص الغذاء وحرمانهم من اللعب أو الفرص التعليمية، مما يهدد مستقبلهم وحياتهم النفسية.

هذه التفاصيل تسلط الضوء على المعاناة المتواصلة للنساء والأطفال في مخيمات النزوح في غزة، لا سيما مع تدهور الأوضاع ودخول فصل الشتاء، وقصة تهاني البودي، تسلط الضوء على النزوح الذي بات واقعاً لا مفر منه، وكيف تعيش الأسر في خيام لا تتوفر فيها أدنى مستويات الأمان أو الكرامة، في انتظار يوم تتحقق فيه العدالة والسلام.