التسول... مسنات إدلب في مهب الريح

دفعت الحاجة وقلة الرعاية والاهتمام بمسنات في إدلب لطرق أبواب التسول وطلب المساعدة من الناس في الشوارع والطرقات والمحال التجارية، بعد أن ضاقت بهن سبل الحياة ولم تعد أغلبهن تجدن ما تنفق به على أنفسهن في ظل النزوح والفقر وقلة الخدمات.

هديل العمر

إدلب ـ تعيش المسنات في إدلب أوضاعاً إنسانية صعبة في ظل عدم وجود جهة حكومية أو مؤسساتية تهتم بواقعهن المأساوي الذي يتحملن تعباته بأنفسهن وسط افتقارهن المعيل والسند وأدنى مقومات الحياة.

لا تقوى المسنة سامية الجدوع ذات الـ 70 عاماً على التجول في شوارع إدلب للتسول وطلب المساعدة وإنما اتخذت من إحدى الأرصفة مكاناً ثابتاً لها نظراً لآلام المفاصل والديسك التي أصابتها منذ أكثر من خمسة أعوام.

وبظهر منحنِ ووجه تخللته التجاعيد وقد ارتدت ثياباً بالية تعلقت بها غبار وأوساخ الطرقات، قالت سامية الجدوع أنها تعيش في مخيمات عشوائية تقع على أطراف مدينة إدلب إبان نزوحها الأخير من قريتها الخوين جنوب إدلب بعد العمليات العسكرية الأخيرة التي أجبرت أهلها على النزوح تحت وطأة القصف والقتل والدمار.

وأضافت أنها لم تتوقع نفسها أن تغدو بهذا المظهر يوماً ما، وتستجدي مساعدة الناس وتطلب عطفهم والتصدق عليها، وأن افتقارها المعيل بعد وفاة ولدين لها في الحرب وعجز زوجها عن العمل دفعها لطلب العون من الناس والتسول، فهي تشعر بالإذلال جراء عملها هذا ولكن "العوز صعب والفقر لا يرحمنا وخاصة لمن كان في أعمارنا، نحتاج السند والمعيل ومن يؤمن بعض احتياجاتنا في الوقت الذي لا نجد فيه أحد من هؤلاء".

فيما تجوب المسنة خديجة حاج نعسان ذات الـ 60 عاماً شوارع إدلب مصطحبة عربة أطفال قديمة تساعدها في وضع عكازاتها وبعض الأشياء التي يتصدق عليها الناس بها، من مواد غذائية وبعض الملابس والخضار.

وقالت خديجة حاج نعسان وهي نازحة من بلدة جورين جنوب إدلب والمقيمة في مخيم الملعب البلدي في إدلب "ليس باليد حيلة فأنا المعيلة الوحيدة لنفسي ولأبناء ابني الخمسة الأيتام الذي توفي والدهم بالقصف وتزوجت والدتهم بعد عام تاركة لي أحفادي الذين لم يبقى لهم معيل".

وأضافت أنها لا تملك أي دخل يعينها على تحمل نفقاتها ونفقات أحفادها ولم تجد سبيل عن امتهان التسول لعلها تعود على هؤلاء الأطفال بكسرة خبز في هذه الأيام الصعبة، حيث انتشر الفقر والغلاء وقلت مصادر الدخل.

وأوضحت أنها غير قادرة على تأمين الدواء المرتفع الثمن فهي مريضة بالضغط والسكري، وضعف أحوالها المادية وصلت بها حد التسول وطلب المساعدة من الناس لتتمكن من الاستمرار وتدبير احتياجاتها.

وأشارت إلى أنها تتعرض لنظرات الشفقة والأسى من المارين لكبر سنها وتعبها في المشي والتنقل للحصول على المساعدة، وتتعرض أحياناً لكلام قاسي وإحراج من البعض، الذين يجدون أنفسهم بحاجة لمساعدة أكثر منها لما يلاقونه من حياة ضنكة ومعيشة بائسة لا تختلف كثيراً عن حالها.

المرشدة الاجتماعية رهف القاضي عرفت التسول بأنه طلب مال، أو طعام من عموم الناس باستجداء عطفهم وكرمهم إما بعاهات أو بسوء حال أو بالأطفال، بغض النظر عن صدق المتسولين أو كذبهم، وغالباً ما يتواجد المتسولين على جنبات الطرقات والأماكن العامة الأخرى.

وأضافت أن التسول ظاهرة اجتماعية خطيـرة انتشرت في إدلب بشكـل كبيـر، حتى أصبحـت تهدد المجتمع بأسره، وتنذر بالعديد من العواقب، فهي ظاهرة "مشينة تقتل عزة النفس وتميت النخوة".

وأكدت إن انتشار الظاهرة بشكل غير مسبوق في الآونة الأخيرة أدى إلى ازدياد الكثافة السكانية الناجمة عن النزوح المتكرر وما رافقه من فقر وبطالة وأوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، في ظل غياب المساعدة من الجهات الحاكمة في المنطقة.

وشددت على ضرورة الحد من هذه الظاهرة من خلال تأمين فرص عمل ملائمة وكفالات للنساء وخاصة المسنات منهن اللواتي لا يقوين على العمل والتعب وبذل الجهد، وتأمين كفالات مالية شهرية لكبار السن وتحسين أحوالهن المعيشية ولو قليلاً، وإنشاء دور لرعاية المسنات، وإقامة حملات توعوية تعرف خطورة هذه الظاهرة على الفرد والمجتمع للحد من المشكلة.

وأضافت إن "المنظمات المحلية بات همها الوحيد العمل وفقاً لسياسات وأجندة تخدم مصالحها بغض النظر عن المشاكل والعقبات التي تواجه السكان في إدلب وخاصة فئة الأطفال والمسنات".

وأوضحت أن نسبة البطالة في إدلب وصلت إلى 89%، بحسب أحدث إحصائية لفريق "منسقو الاستجابة في سوريا" والتي تم نشرها في 8 شباط/فبراير 2021.