الهجرة غير النظامية... إقبال كبير من التونسيات رغم المصاعب والانتهاكات

أكدت الإحصائيات هجرة 586 تونسية في غضون الأشهر الماضية فماهي الأسباب التي تدفع المتعلمات والأميات إلى ترك البلاد وما هي تداعيات هذه الهجرة؟

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ أسئلة عديدة تراود التونسيين/ات مع ارتفاع نسبة المقبلات على الهجرة الغير نظامية "الحراقة" خلال الأشهر الماضية وخصوصية كل واحدة من المهاجرات بعد أن كانت هذه الظاهرة حكراً على الرجال.

ما الذي يدفع بحامل على أبواب الولادة إلى الإقدام على الهجرة غير النظامية حيث يمكن أن يفاجئها المخاض في قارب الموت في أي لحظة فتتضاعف إمكانية الموت وطفلها في عرض البحر؟ وما الذي يدفع خريجة الحقوق التي تنتمي الى عائلة ميسورة الحال إلى المجازفة بحياتها؟ وما الذي يدفع بأم إلى بيع كل ما تملكه لاصطحاب أطفالها إلى الضفة الأخرى من البحر.

 

الأسباب عديدة

يدرك المتابعون للشأن النسائي في تونس أن المرأة أقدمت خلال الأعوام الأخيرة على العمل في شتى المجالات لتعيل نفسها أو أسرتها كما أقبلت خلال العشرية الأخيرة بأعداد كبيرة على العمل في الحقول والمصانع بأجور زهيدة لتحفظ كرامتها وكرامة أسرتها من الفقر والفاقة، ولكن أن تهاجر بطرق غير منظمة تحتوي على مخاطر عديدة بحثاً عن العمل في بلاد أخرى فهي مسالة لم يتوقع أحد حدوثها بهذه السرعة.

والأسباب التي تقف وراء بروز ظاهرة هجرة التونسيات فهي عديدة ومنها ما هو مرتبط بالوضع الداخلي للبلاد ذلك أن شريحة النساء تنتمي إلى الفئات الهشة التي تعاني أكثر من تبعات الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهذا ما تأكد خاصة بعد جائحة كورونا حيث أصبحت المرأة أكثر عرضة للعنف الأسري بتضاعف نسبه لسبع مرات وأيضاً أكثر عرضة للعنف الاقتصادي بارتفاع عدد المسرحات من العمل.

حول ذلك قالت عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إسلام الغربي أن حضور النساء في معضلة الهجرة غير النظامية بدأ يبرز خاصة في الأعوام الثلاث الأخيرة وهذا حسب ما رصده المنتدى إذ كنا نتحدث عن 73 امرأة وصلت للسواحل الإيطالية عام 2019 فأصبحنا نتحدث عن 300 امرأة عام 2020 ثم انتقل الى 1100 و1200 بين 2021 و2022 ومنذ بداية عام 2022 وصلت 586 امرأة الى الضفة الأخرى.

وأضافت إن العنف هو مسألة مركزية في قرار الهجرة غير النظامية بالنسبة للمرأة لأنه عندما تم التعمق في روايات المهاجرات تبين أنهن تعرضن لجميع أشكال العنف، عنف مادي وعنف رمزي، وعنف في الفضاء العام وحتى التشريعات التي وضعت إلى حد الآن للحد من العنف واثبتت محدودية نجاعتها في الحد من الظاهرة لأنها تغرق المرأة في إجراءات بيروقراطية ولا توفر لها الحماية.  

وأوضحت أن المرأة المقبلة على الهجرة السرية أيضاً عانت من عنف المجتمع وتم نعتها بأبشع الصفات وبأنها فاسدة وحين غرقت في البحر هي وطفلها تم وصفها بأبشع الصفات مقارنة بالرجل الذي يتم التسامح معه رغم أنه يقوم بنفس الفعل منذ زمن طويل.

وأشارت إلى أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لا يشجع على البقاء في تونس والمجتمع التونسي يمارس كل أشكال الاقصاء على المرأة والتنميط، كما تعاني من ارتفاع نسبة البطالة حيث تبلغ 20% مقابل 13% لدى الرجال وفقاً للمعهد الوطني للإحصاء.

وأوضحت أن الواقع التونسي لم يعد قادراً على تحقيق طموحات المرأة وأمالها حيث سجلنا إقبال نساء تنتمين الى طبقة مرفهة ولكنهن يقبلن على الهجرة غير النظامية وهذا يختزل رسالتين رسالة إيجابية تتمثل في أن المرأة لا تبحث عن الأكل والشرب فقط بل عن ذاتها وكرامتها وأنها قادرة على تجاوز عتبات الخوف لأجل ذلك والرسالة السيئة أنها يمكن أن تكون عرضة للمخاطر والموت لأجل تحقيق طموحاتها على أن تعيش في تونس.

وأضافت أنه هناك نساء دفعن مبالغاً كبيرة وصلت لـ "14 ألف دينار" مقابل مغادرة البلاد خلسة وهو مبلغ يمكن أن يساعد على فتح مشروع صغير ولكن هي اختارت طريق المخاطر على البقاء.

وأوضحت تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في التحفيز على الهجرة غير النظامية وخاصة "الانستقراموز" التي وجهت رسائل ايجابية تشجع الشابات التونسيات على القيام بنفس التجربة وتدعو التي غادرت البلاد إلى التواصل معها.

 

تداعيات الحلم المشروع

بعد أن كانت تعيش ألم فقدان أخيها أو زوجها أو قريبها بعد غرق المركب أصبحت هي فقيدة عائلتها وأن حالفها الحظ وتجاوزت رحلة الموت فهي تعيش ظروفاً سيئة جداً في الضفة الأوروبية إلى أن يتم ترحيلها إلى تونس أما من استطاعت أن تنجو من المعتقل الإيطالي فهي تعيش مع المجموعات المهاجرة في الشوارع عرضة لجميع أشكال الاتهامات.

وقالت إسلام الغربي أن كثيرات ممن هاجرن وجدن أنفسهن في وضع سيئ وندمن على قرارهن ومنهن امرأة دفعها زوجها إلى بيع كل ما تملك بعد أن باع المنزل وهددها بخطف أبنائها أن رفضت فاستجابت له وندمت فيما بعد لأنها ظلت موجودة رفقة ابنائها وزوجها بمركز الإيواء والاحتجاز في وضع مهين.

وأضافت أنه أحياناً يتم التخلص منهن ويذهبن إلى مسارات مختلفة ويدفعهن الوضع الهش إلى أن تكن فريسة لشبكات الجريمة.  

وأوضحت أن المعالجات على مستوى وطني يجب أن تكون معالجات فعلية وصارمة لأنه ثبت أن المقاربة الزجرية بمفردها غير ناجعة وبالتالي يجب تطبيق مقاربة ثقافية، وتربوية ووضع كل أمكانيات الإحاطة للنساء المعرضات لكل أشكال العنف.

وعن المستوى الاقتصادي قالت إن السياسات التنموية الاقتصادية للبلاد يجب أن تهتم بالفئات الأكثر هشاشة بما فيها النساء، أي تكون موجهة في اتجاه التمكين الاقتصادي للمرأة وأن تحصل على حقوقها ويصبح لديها جميع الضمانات الكافية لتتجاوز الواقع السيء.

وحمّلت إسلام الغربي الحكومة التونسية المسؤولية كونها تمارس سياسة خاطئة في معالجة قضية الهجرة غير النظامية واعتبرت أن الحكومة التي عجزت عن منح الأمل للمرأة في بلادها يجب أن تفتح على الأقل مسارات دبلوماسية أمامها عندما تصل إلى أوروبا، كما توجد مسؤوليات مرتبطة بالاتحاد الأوروبي باعتبار أنه وضع كل العراقيل على مسألة حرية التنقل وترك الحق مقتصراً على مواطنين فقط، وتحولت عملية الحصول على التأشيرة إلى عملية إذلال وشكل من أشكال الابتزاز التي يمارسها الاتحاد الأوروبي في مثل هذا الوضع.  

وأكدت إن المجتمع المدني يقوم بدوره في التدريب والتوعية بخطورة الظاهرة ويرصد الأرقام ويوصل أصوات أهالي المفقودين.  

 

وضع كارثي

قالت نائبة رئيسة جمعية أمهات المفقودين لطيفة التركي لوكالتنا "لاحظنا إقبال النساء والفتيات على الهجرة غير النظامية والمجازفة بحياتهن من أجل مغادرة البلاد نحو المجهول".

وأضافت إن الجمعية نظمت مؤخراً بشراكة مع منظمات أوروبية وأفريقية لقاء حول الهجرة السرية واستمعت إلى شهادة لأم فقدت ابنتها بعد إن اقدمت على مغادرة البلاد خلسة هي وصديقتها التي درست معها بكلية الحقوق وحصلتا على نفس الشهادة وتوفيتا في رحلة الموت.

وأشارت إلى أن الأم كان قلبها يحترق كثيراً لأنها توفر جميع مستلزمات ابنتها ولم تكن تعلم بما يدور في رأسها.

وأكدت لطيفة التركي بأن التداعيات الوخيمة للهجرة غير النظامية على النساء لا تقف عند الموت بل تداعياتها وخيمة تبعاً لوضع الكثيرات منهن في بعض البلدان الأوروبية إيطاليا وألمانيا حيث تعشن في الشوارع عرضة لجميع الانتهاكات والمضايقات وتعملن بطرق غير قانونية.   

واختتمت نائبة رئيسة جمعية أمهات المفقودين لطيفة التركي حديثها بالقول بأنها عاينت وضع الكثير من المهاجرين/ات وهي وضعية كارثية وخارج تونس لا توجد الجنة كما يتوقعون ويروجون لذلك بوسائل التواصل الاجتماعي ويحلمون بأن يعيشوا داخلها بل يوجد كابوس مرعب أبشع بكثير مما يتوقعون.